شهادتي لله

من (البطانة) .. مرافعة عن (المخيّم)

الأخ الكريم/ الهندي عز الدين
المحترم وبعد..
أرجو شاكراً أن أستعير عمودكم الصحفي المقروء (شهادتي لله) للرد على ما جاء فيه تحت عنوان (مخيم البطانة.. لا ترهقوا الرئيس)، المنشور بصحيفة (المجهر السياسي) العدد رقم 156 بتاريخ 22/9/2012م عملاً بحرية النشر والاستماع للرأي الآخر. وقد جاء في عمودكم أنك لا تفهم القيمة المرجوة والمردود السياسي والاقتصادي والثقافي من إرهاق السيد الرئيس ببرامج دورية راتبة مثل (مخيم البطانة)، وحيث أنه لا شأن لنا بمستوى فهمك وتفسيرك للأمور والمواقف، فأنت الأدرى بذلك، وبما أنني لا أرد نيابة عن إدارة مكتب الرئيس، ولا أنتمي لحزبه الحاكم، فهم الأجدر والأقدر بالرد ومقارعة الحجج، إلا أن انتمائي لتلك البقاع الطيبة الطاهرة جعلني وبإحساس مواطن المنطقة بأنّ رأس السوط في مقالك قد أصابني، وأنا أيضاً حرٌ في فهمي وتقديري للأمور بفطنة ووعي أهل البطانة وذكائهم الفطري المعروف.. فالبطانة يا أخي العزيز تمثل جزءاً مقدراً ومميزاً من مساحة المليون ميل مربع قبل الانفصال، وعُرفت قبل التاريخ بأنها سلة غذاء السودان، بل أفريقيا بأكملها، وبرغم أهمية موقعها الإستراتيجي ودعمها للاقتصاد الوطني بثرواتها الزراعية والحيوانية، إلا أن إنسانها الحُرْ العفيف لم يجد الاهتمام والإنصاف من جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، ومع كل ذلك لم نسمع بأنّ مواطن البطانة قد تمرد على السُلطة أو حمل السلاح في مواجهتها بسبب التهميش والظلم البائن في مشاركته في توزيع السلطة والثروة، وذلك مرده لطبيعة البطانة التي لا تعرف غير الأمن والأمان والسلام وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وأن لسان مواطنها يَعِفُ عن المطالبة بحقوقه التي كفلها له الدستور والقانون، وينأى عن أخذها بيده احتراماً للشرعية وتقديراً للظروف الأمنية المحيطة بالبلاد في كل اتجاهاتها، وقد عَوَّض الله سبحانه وتعالى البطانة في أبنائها، وهم يمثلون دعامة الاقتصاد الوطني، ومورداً أساسياً لخزينة الدولة، حينما برزوا وتفوقوا في مجال التجارة والصناعة وحتى الزراعة، في تجمعاتهم التجارية بسوق ليبيا وسعد قشرة والأسواق الشعبية بأم درمان والخرطوم، ولم يقتصر خيرهم، وما حباهم به الله من رزق، على أنفسهم، بل جادوا به على أهلهم ومنطقتهم؛ بناءً وتشييداً للمدارس ودور العلم ومحطات المياه والمراكز الصحية والمساجد، وعمَّ التيار الكهربائي بفضل جهودهم كل قرى وأرياف البطانة دون انتظار وعد من حاكم أو دولة. فهل مع كل هذه الثوابت المعروفة والمشهودة تستكثر أيها الأخ العزيز زيارة رئيس الدولة لمنطقة البطانة؟ تلك الزيارة التي اختارها بنفسه وبمباركة من حزبه وإدارة مكتبه، كما تفضلت في مقالك في خريف كل عام وبدعم وتمويل من أهل البُطانة وليس من مال الدولة، لسياحة ريفية في بادية البطانة؛ هدفها تحفيز المزارع ومساعدة الرعاة وإيجاد الحلول لمشاكل الحدود والمسارات الرعوية، وليس كما تصورت للاستماع للدوبيت، وشُرب اللبن القارص، ومشاهدة (عرضة الصقرية)، وهذه إبداعات نفتخر ونتميز بها دون سائر مناطق السودان؛ لأن البطانة تعتبر مخزن الإبداع والأدب الشعبي والفن العربي الأصيل. وكان الواجب العدلي والعُرف الصحفي يقتضي احترام وتقدير أحاسيس ومشاعر كاتبة العمود الصحفي الراتب (نوافذ) المجاور والملاصق لعمود “شهادتي لله”، الأستاذة الرائعة “نضال حسن الحاج”، التي تمتد جذورها الأسرية لمنطقة البطانة، وهي لم تتناول مقالاً في عمودها إلا وزينته بأبيات من الدوبيت، ورصعته بدرر الشعراء من أجدادها وأسلافها من منطقة البطانة، الذين جاءت كل أشعارهم في الكرم والشجاعة والحكمة والموعظة الحسنة. فلو كان أدب الدوبيت سُبّة وشغلاً للرؤساء عن مهامهم، فلماذا سمحت صحيفتكم بنشر مقالات هذه الأديبة الرائعة وأنتم تراجعون وتصححون ما تكتبه بحكم ولايتكم على الصحيفة الناشرة؟!
(مالكم كيف تحكمون)، وسبق لأقلام الصحفيين اللاسعة أن أصابت من قبل المنطقة حينما عُيّن أحد أبنائها وزيراً ولائياً، فسطر أحدهم مقالاً اختار له عنوان (الوزير عاشق الدوبيت). وقد عني في مقاله ابن المنطقة الدكتور العالم “محمد البشير عبد الهادي” الذي لم يكمل حتى في الوزارة الولائية عاماً كاملاً، فكأنما الدوبيت يعتبر منقصة للشخص وما يتقلده من مناصب تنفيذية ودستورية. وأبناء البطانة برغم كفاءتهم وعلمهم وذكائهم وتفوقهم المشهود والمعروف لم ينالوا من الاستوزار، وهم ليسوا نادمين ولا ناقمين على ذلك؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء. فالصحفي الناقد للوزير عاشق الدوبيت، الذي نسأل الله له الرحمة والمغفرة، أظنه قد اعتذر في صحيفته المشهورة للوزير ولأهل الدوبيت.. فآمل أخي العزيز أن تمارس فضيلة الاعتذار، لا لمكتب السيد الرئيس، ولكن لأهل الدوبيت وشاربي اللبن القارص.. ومبلغ علمي، وبرغم أنني لم ألتقك في حياتي، أنك سليل أسرة شاعرة ومتصوفة بمنطقة (أم مغد) توأم البطانة بغرب النيل الأزرق، وأخشى عليك أخي الكريم من لسان أهل البطانة السالط، الذي لسعوا به من قبلكم الأستاذ الكوميدي “محمد موسى” في قصيدة شاعر البطانة (ود شوبلي) (يانا أهل العوض)، وأخشى ما أخشاه لسان الشاعرة “نضال حسن الحاج” الكاتبة معكم في الصحيفة.. فالاعتذار لنا ولها أولى بحكم الانتماء والنشأة..
وآخر قولي أبيات من الدوبيت تقول:
إت يا الهندي شِنْ وَدّاكْ تَفِجْ النار وتَقعُدْ فيها
مَاكْ عَارفنا بِنْوَاسِي الزَوَرْ بالجيهة
الخيل المتابكا الصَفْ كِتِر صهيلها
غِيرنا مِنُو البِطيعها وكَتَلْ عَاتِيها
ودمتم لقراء الصحيفة
كرار صديق كرار (المحامي)
مواطن من البطانة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية