حرب الانتقام (1)
تشن حكومة دولة جنوب السودان حملات عسكرية داخل بلادنا للانتقام من الذين شكلوا ترياقاً لمشروع الحلم الجنوبي بالسيطرة على السودان القديم بفوهة البندقية والحديد والنار، وحرب الانتقام لم تخمد نيرانها منذ انفصال الجنوب تخبو حيناً وتشتعل أحايين أخرى تبعاً لما يحدث في تلك الدولة من صراعات وحروبات.. وفي هذا الأسبوع شنت قوات دولة الجنوب، وليس الجيش الشعبي كما يزعم بعض الغافلين هنا، فالجيش الشعبي انتهى إلى جيش دولة مجاورة وما عادت بلادنا معنية بالاسم القديم أو الجديد الذي أطلق عليه (قوات دفاع الجنوب)، شنت عمليات انتقامية انطلقت من داخل الأراضي الجنوبية وتوغلت القوة لمسافة (50) كلم داخل ولاية غرب كردفان بمحلية الدبب، وقتلت قوات دولة الجنوب نحو (11) مواطناً بينهم ثلاث نساء في تحدٍ سافر للقانون الدولي وانتهاك لسيادة البلاد.
ودوافع دولة الجنوب انتقامية من السودان ومن قبيلة “المسيرية” بصفة خاصة وتصفية وجودها على الحدود ونهب ثرواتها، وإفقارها حتى تضطر للنزوح شمالاً وإخلاء مناطق هجليج وحقول النفط الذي نضب في الوقت الراهن.. وقادة دولة الجنوب من العسكريين تتقمصهم روح انتقامية وتشفٍ من عرب “المسيرية” الذين لولا قتالهم وبسالتهم وتصديهم للتمرد في الفترة من 83 وحتى 2005م لكان السودان اليوم في قبضة الجنوبيين والحركة الشعبية التي وأد “المسيرية” حلمها في الوصول للسلطة.. ولن ينسى الجنوبيون الهزائم التي لحقت بقواتهم في أبيي والرقبة الزرقاء وأويل ومعركة وادي الستيب.. وهزيمة قوات “ملونق” في مريال أجيت والنعام!!
دولة الجنوب تنتقم اليوم من “المسيرية” بعد أن تم تجريدهم من السلاح وأصبحوا مواطنين مدنيين بأيديهم العصي والحراب، وكان حرياً بالدولة أن تتولى الدفاع عنهم وحماية قطعانهم من النهب وأبنائهم من القتل، وحماية الحدود من الانتهاك بعد أن أعلنت الدولة مسؤوليتها عن الأمن وتجريم أي مواطن يحمل سلاحاً للدفاع عن ثروته الحيوانية التي هي ثروة السودان أولاً.. وتوعدت من تجده يتأبط بندقية (أم روحين) بالسجن في بورتسودان والبندقية (أم روحين) سلاح يصنعه الأهالي (الحدادون) للصيد ويسمى (الخرطوش)، وعرضت الأجهزة الإعلامية بصدق كيف سلم “المسيرية” أسلحتهم حينما طلب منهم “حسبو” ذلك.. ولكنهم اليوم يتعرضون لمحنة جديدة.. وحرب من دولة لا قبل لهم بصد قواتها.
ومن المفارقات أن الرجل الأول المسؤول عن الأمن الداخلي في البلاد هو من المنطقة التي تعرضت لهجوم قوات دولة الجنوب، ونعني الفريق د. “حامد منان” وزير الداخلية الذي بيده القوة والمال والطائرات والقرار، وحتى كتابة هذه الزاوية لم يصل وزير الداخلية لموقع الأحداث بغرب كردفان وإلى مسقط رأسه الدبب!! فماذا ينتظر الجنرال الكبير؟؟ هل ينتظر أن تصدر له التوجيهات ليقوم بواجبه؟؟
وحتى هذه اللحظة لم تصدر وزارة الخارجية بياناً عن اعتداء دولة جنوب السودان على الأراضي السودانية، ولم تستدع السفير في جوبا للخرطوم أو تستدعي السفير الجنوب سوداني لرئاستها لإظهار هيبة الحكم، ولم يصدر الناطق الرسمي باسم الجيش العميد د. “أحمد الشامي” بياناً لتوضيح ما يحدث في الحدود.. واهتم الرأي العام بكل أسف بإطلاق سراح “فضل الله برمة” من سجن (كوبر) أكثر من الاهتمام بعشيرته وأهله الذين يقتلون على أساس الهوية والدين انتقاماً من “المسيرية” القبيلة التي ضحت وقدمت كل شيء من أجل هذا الوطن، ولا تنتظر مكافأة من الحكومة، ولكنها تتطلع فقط لأن تجد الحماية من الدولة حتى لا تتعرض للإبادة وهي بلا خيل ولا سلاح ولا سند لظهرها المكشوف.