الديوان

انحسار الأغنية الوطنية : " خليل فرح"… كيف الحضور في أزمنة الغياب؟

ما أن تُذكر الحركة الوطنية السودانية إلا ويكون السيد “خليل أفندي فرح” حاضراً في الذاكرة، حيثُ تغنى لثورة اللواء الأبيض 1924م، بأغنيته الخالدة (نحن ونحن الشرف الباذخ)، وبذلك دشن لتوظيف الأغنية في العمل الوطني والسياسي، فكانت   ( عزة في هواك) تعبيراً عن القومية والهوية الواحدة.
وتخرج ” خليل فرح” في (كلية غردون) (جامعة الخرطوم حالياً) عام 1913م، لكنه كشأن معظم المبدعين عاش بالقليل من المال وغنى بالكثير من الحب والانتماء للوطن والشعب إلى أن وافته المنية 1932م.
 (المجهر) جلست إلى مجموعة من الشباب من جيل اليوم، وسألتهم أين هم من “خليل فرح”، وهل هنالك حيز من وجدانهم للأغنية الوطنية؟ وكيف ينظر الجيل الحالي إلى جيل الحركة الوطنية وروادها متمثلة في شخص “خليل فرح”؟، فإلى الاستطلاع:
لا أعرفه مطلقاً
تقول الطالبة بكلية الهندسة الكيميائية ” منى إبراهيم” إنها لا تعرف مطلقاً ” خليل فرح”، وتواصل: لست وحدي بل جُل الطلاب لا يعرفونه، بل لا يعرفون معظم المغنيين السودانيين القدامى، لذلك الأجدى لك أن تسأليهم عن المطربين العرب! وأضافت: الإعلام السوداني لا يُعرِّف الجيل الحالي بتاريخه، أنا مثلاً أعرف أغنية  (عزة في هواك)، لكنني لا أعرف أن مغنيها الأصلي اسمه ” خليل فرح”، ونادراً ما تبث الإذاعات والتلفزيون أغانٍ وطنية، فمن المقصر بالله عليكم، أنتم في الإعلام أم نحن الشباب؟.
من جهته اعتبر الطالب ” مهدي حسن” ” خليل فرح” أول من نقل الأغنية الوطنية موسيقياً إلى قالبها الحديث، مستخدماً الكمان، وساهم في ثورة اللواء الأبيض التي  وصفها بعض السياسيين بأوصاف قبيحة وعنصرية، لذلك فإن غناء “خليل” لها مؤشر على نضجه الفكري والسياسي، هذا إلى جانب أغنيته الخالدة (نيل الحياة)، واستطرد ” مهدي” قائلاً: ينبغي أن لا نُحمل جيل اليوم جهلهم بتاريخ الغناء الوطني، وميلهم للغناء الخفيف والراقص لأن لا أحد من الفنانين يغني اليوم (عزة في هواك) ولا وسيلة إعلامية تبثها، كلهم يحجمون عنها، فلماذا الحملة على الشباب؟
المؤسسات التعليمية وسطحية المعرفة
ينحدر ” خليل فرح” من أصول نوبية تتداخل مع الثقافة المصرية التي تأثر بها عدد كبير من المثقفين السودانيين آنذاك، وكان ” خليل فرح” أبرز رموز الاتجاه المناهض للهيمنة الاستعمارية، وفي ذلك قال الطالب بجامعة النيلين  ” الصادق الماحي”: إن كلية غردون كانت تمثل حينها إحدى أهم منابر الوعي في البلاد، يكفي أنها منحتنا مناضلاً ومبدعاً كـ” خليل فرح” وجيلاً كاملاً من رواد الحركة الوطنية كانت لهم إسهامات مقدرة في مسيرة تطور الحركة الثقافية والفكرية والسياسية السودانية، لكن للأسف فإن كل ذلك لا يُدرَّس في المؤسسات التعليمية.
” خليل فرح” لاعب سابق بالمريخ!!
وفي السياق قال الأستاذ ” مرتضى داؤود” الناشط في الحركات الشبابية، إنني رغم انتمائي لهذا الجيل، لكن ينبغي أن أسجل اعترافاً بتراجع الحس الوطني وتقلصه بيننا، للأسف الوطن أصبح في السنوات الأخيرة حزباً، ومن لا ينتمي لذلك الحزب ربما يُشكك في وطنيته، وذلك ما يجعل مبدعي اليوم من شعراء وفنانين، يحجمون عن الكتابة والغناء للوطن حتى لا يُفسر ذلك ضمن انتماء ضيق (حزبي).  
وأضاف: كثير من الشباب عندما تسألهم عن ” خليل فرح”، يظنون أنه لاعب سابق بالمريخ، وبعضهم يعتقد أنه وزير اتحادي، وآخرون لا لم يسمعون به أصلاً حتى (يخمنوا) وظيفته.
ضرورة التوثيق
واعتبر باحثون وراصدون أن ” خليل فرح” أول من أدخل المقدمة الموسيقية في الأغنية السودانية إلى جانب الغناء الرمزي، بينما ظل كثيرون من جيله عاكفين  على الغزل الحسي، بل لم يكتفِ ” خليل” بذلك، وتجاوز ما تقدم ذكره فعمد إلى توثيق أغانيه وتسجيلها بالتقنيات المتاحة آنذاك في مصر، وهذا ما لم نعتد عليه نحن السودانيين، حيث لم يكن التوثيق وما زال ضمن همومنا. 
وأضافوا: أن السياسة، الاقتصاد والثقافة، كلها أمور لا تنفصل عن بعضها البعض،  فالسياسة قد تمنع أحياناً بعض الغناء وتحجب بعض الثقافات، لذلك ينبغي على الشباب والمهتمين العمل على توثيق الثقافات المتناقلة شفاهة، حتى لا يقعون فريسة  للغزو الثقافي، وينتمون وجدانياً للثقافات الوافدة عبر الفضاء المفتوح على مصراعيه، وناشدوا بعدم الحجر على تراثنا الفني والأدبي، وإتاحة مساحات مقدرة له في أجهزة الإعلام الرسمية حتى يطلع عليه الشباب، وبالتالي يرتبطون بموروثهم الشعبي، حتى لا تذوب وتضمحل هويتهم الوطنية، ويصبحون غرباء عنها، وهذا ما يحدث بالضبط هنا، والآن، فكثير من الشباب لا يعرفون فنانين تغنوا قبل (10) سنوات فقط، دعك ” خليل فرح”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية