تعديلات مرتقبة
إذا كانت القيادة السياسية قد توصلت إلى قناعة بفشل الطاقم الوزاري الحالي وبعض الولاة، فإنها مطالبة بالنظر في مسألة التجديد وضخ الدماء في شرايين السلطة، وإذا اقتضت الضرورة القصوى العودة لبعض اللاعبين ذوي الخبرة أمثال الفريق “صلاح قوش” للاستفادة من تجربته الطويلة في الملفات الأمنية والسياسية، فذلك لا يعني بأي حال أن كل تجربة الشباب الذين صعدوا لمناصب الولاة والوزراء قد فشلت تماماً، وبالتالي العودة كلياً للأرشيف السياسي ونفض الغبار عن شخصيات من الأمس كان لها إيقاع وصارت إلى كرسي القماش.
بعض الشباب الذين أسندت إليهم المناصب القيادية فشلوا في تقديم أنفسهم للرأي العام، بل إن بعض الوزراء لا يعرفهم المواطنون العاديون، وحتى الصحف لا تنشر صورهم إلا في حالة الإعلانات مدفوعة القيمة، ولا يبث التلفزيون صورهم لأن وسط هؤلاء الشباب من الوزراء اعتقاد خاطئ بأن البقاء في كرسي السلطة رهين بمسك اللسان واليد عن القول والفعل والتخفي عن أجهزة الإعلام وعدم المبادرة، وأن يرددوا أمام رؤسائهم من النافذين في الحزب والدولة (كل شيء تمام يا سعادتك)، وبذلك يبقى الواحد منهم في بر السلامة دون أن تطاله التغييرات ولا تبدله التعديلات، وتعدّ واحدة من علامات الضعف الكبرى في أداء الحكومة غياب المبادرات وأن الكل يؤثر السلامة بالصمت والتواري عن الأنظار.
في بعض الولايات أداء الشباب كان أفضل من الشيوخ وكبار السن، وتجربة “علي حامد” مثلاً في البحر الأحمر وهو من الشباب أفضل من تجربة “أيلا” على صعيد التنمية في المحليات.. وتجربة “أحمد هارون” في الأبيض أفضل من تجارب كل الولاة المتعاقبين على كرسي السلطة في مدينة الأبيض، وهو أيضاً من الشباب وتجربة “أبو القاسم بركة” في الفولة هي أكثر تميزاً من تجربة الجنرال “أحمد خميس”.. و”الهجا” في الجنينة، و”أنس عمر” في الضعين، و”عيسى آدم” في كادوقلي تعدّ دليل نجاح وليس فشلاً كما يزعم البعض، وفي المحليات هناك إشراقات حقيقية.. في كل ولاية نجد شاباً ناجحاً وشيخاً فاشلاً.. وفي مجلس الوزراء الاتحادي هناك وزراء أداؤهم جيد مثل بروفيسور “غندور” في الخارجية، والفريق “عوض ابن عوف” في الدفاع، والدكتور “فضل عبد الله” في رئاسة الجمهورية مقابل إخفاقات كبيرة لوزير المالية والتجارة ونجاح نسبي لوزير الصناعة، وهناك وزراء من الأحزاب التي جاء بها الحوار الوطني أداؤهم أفضل من وزراء المؤتمر الوطني مثل “بشارة جمعة أرو” في الثروة الحيوانية و”مبارك الفاضل” في الاستثمار.. ويقابل هؤلاء وزراء لا تسمع لهم صوتاً ولا تشعر بوجودهم، وقد كانوا نجوماً قبل الجلوس على كرسي السلطة لكنهم تحولوا لأشباح الآن مثل “عبود جابر” الذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً وتغطي صوره مساحات في الصحف، وبعد أن جلس على الكرسي وركب الفارهة وغرق في نعيم السلطة وأصبح على فمه (جرادة) صمت وبات لا يتحدث حتى داخل مجلس الوزراء.. وهناك وزراء من الأحزاب مثل “مبروك سليم” و”آمنة ضرار” ود. “فردوس” وآخرون من دونهم تحسبهم أهل عطاء وبذل وتضحيات، لكنهم في الواقع بلا عطاء أو قدرات، ووجودهم في السلطة خير منه عدمهم.
إن التغيير المرتقب والمتوقع ينبغي أن يأخذ بمعيار العطاء بغض النظر إن كان من الشباب أو الشيوخ، وتحري العدل والإنصاف عند التقديم حتى لا يذهب أهل العطاء ويبقى فقط المسنودون من النافذين ومراكز القوى، لأن هناك ولاة ووزراء محظيين بالمساندة والدعم والحماية والرعاية الكاملة، وهؤلاء يطلق عليهم أولاد المصارين البيض.. وهناك وزراء وولاة (أولاد قرف) لا يسأل عنهم رئيس ولا نائب رئيس، ويجدون مشقة بالغة في لقاء الرئيس أو حتى وزير المالية ومطلوب منهم تقديم شيء للمواطنين، وقد أصبح المال والسلطة والقرار بيد أهل الحل والعقد فقط.. فكيف يعدّ هؤلاء فاشلين يجب تغييرهم وبعض الولاة يهاتفون الرئيس من مكاتبهم ولا يحتاجون حتى للمرور عبر “حاتم حسن بخيت” الآن والفريق “طه” من قبله والفريق “هاشم عثمان”؟ فهل مثل هؤلاء من العدل مقارنتهم بولاة لا يراهم الرئيس أو النائب الأول إلا في حالة زيارة هؤلاء في ولاياتهم أو وزاراتهم؟ مثلاً هناك ولاية زارها النائب الأول خلال عامين أو منذ تعيينه ثماني مرات، وهناك ولاية لم يزرها النائب ولا مرة واحدة فكيف يصبح هذا ناجحاً وذاك فاشلاً؟!
العدالة والإنصاف يقتضيان إعمال مبدأ التساوي والشفافية ومحاسبة كل مسؤول بقدر ما قدمته له الحكومة المركزية، حتى لا يذهب الناجحون ويبقى الفاشلون الذين أورثوا البلاد ما هي عليه اليوم.