نوافذ

وبكاني الدمع

أنا والطائرة ضدان، تحاصرني بالخوف كلما حلقت عالياً، وكأني أمسك كوباً زجاجياً بكلتا يدي وأخشى سقوطه، أو ربما بطفل أخاف أن يفلت مني ويصيع في زحمة الأرض التي تفقر فاها للساقطين عليها وتتبعهم، وأنا أجلس والخوف كتفاً بكتف، وللأول مرة أجابه فيها محنة التحليق عالياً لوحدي دون أن أعرف أحد ركاب هذه الطائرة، لأول مرة أتحدى إحساس البكاء الذي يعتريني حين كل صعود وهبوط، كنت أخشى أن ينتبه من حولي لنوبة التوتر التي اجتاحتني دون سبب واضح، ولكن لم يعرني أحد انتباهاً، فحمدت الله على ذلك، ولكني قبل أن أغادر ذلكم المقعد اعتصرني الخيال، حتى لفتني المضيف قائلاً: (حمداً لله على السلامة) أتدري لماذا؟
لأني رأيت هذه الطائرة هي الحياة وأنا يحاصرني الحزن كلما خطت السنين نحوي بيوم واحد، وأنت لست معي، يراقبني القدر وكأني مذنب فر من أحد سجونه، أترى مثلما قاومت ذلكم الخوف المؤلم، وجلست وحدي على ثلاثة مقاعد فخمة دون أن ألوذ بيد أحد أو يطمئن خوفي، تراني سأمضي من دونك في هذه الحياة الموغلة في الأسى؟!
أترى ستترك هذا القلب وتغادره إلى ما لا نهاية؟
أم تراك ستنزوي بعيداً تراقبني وأنا تناطحني الآلام مثلما تتناطح الطائرة والسحاب.
أرقتني اللغة وهي تنقب عن بقائك في مخيلتي، وتستجدي الأماكن كلها في الذات أن تخبرها عنك، ضمتني الجراحات حُنُوَّاً عليَّ، وبكاني الدمع كي يربت على كتفي الذي خلعته الأيام دية صمته وكبريائه، استقاني الماء ريثما يبتل حلق النيل بجرعة دمع، هاجرت بعد تعذيب إزاء عشقي الصاخب، وأنت أنت لا غادرتني ولا أعلنت للملأ بقاءك، لا كبلتني بالحزن لا باركتني عروساً لفرح قادم.. فيا من امتدت يداه عطاء أخضر يجتذ أمنية الجفاف، أتعاقبني وأنت الذي هديتني لهذا الذنب العظيم؟!
وما دام حبك ذنباً تعاقبني على العشيات من كل ليل، سأكتفي بالتلذذ فقط وأكتوي بالصمت، ولكني لن أمنحك شرف أن تتوج أذنيك عروساً لصراخي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية