الديوان

(حي المسالمة) الأم درماني.. لنا فيه كنيستنا ومسجد!!

(حي المسالمة)، أحد أحياء أم درمان المتفردة، حيث يجمع في باطنه عدداً مقدراً من المجموعات الثقافية والدينية المتباينة ذات السحنات المختلفة، وفيه يرفع الآذان وتئن (نوبة الصوفية)، وتقرع نواقيس الكنيسة، كل ذلك يحدث في انسجام تام.
ويُعد ( المسالمة) من أقدم الأحياء الأم درمانية التي وضعت لبناتها الأولى في عهد المهدية أيام الخليفة “عبد الله التعايشي”، وهو الذي أطلق عليه هذا الاسم في إشارة لاعتناق طائفة من المسيحيين واليهود الإسلام، فضلاً عن التعايش السلمي بين الطوائف المختلفة.
وإلى جانب كل ما ذكر آنفاً، ضم الحي عدداً مقدراً من القيادات السياسية، عبر الحقب المتتابعة، وكثيراً من المبدعين والمثقفين والفنانين والشعراء الذين دلقوا عصارة شعرهم في التشبيب والغزل في حسناوات (المسالمة)، فكانت (لي في المسالمة غزال وظبية المسالمة)، وهنالك رواية تقول إن أغنية ” صلاح أحمد إبراهيم” و”حمد الريح” (مريا)، قيلت أيضاً في إحدى حسناوات المسالمة القبطيات.
لكن دعونا ندخل الحي.. ونرى ماذا يقول أهله:
ألفي القلب في القلب
تناصف الأستاذ “ميرغنى عبد العزيز” خطيب وإمام مسجد (الشروق) بالمسالمة والأستاذة الأديبة “نعيمة بشير سابل” بعض سيرة الحي الزاخرة، ولم يتركا شاردة أو واردة تفلت في هذا الصدد إلاّ أحصياها عبر السطور التالية:
يمتد (حي المسالمة) شمالاً من مقابر البكري، وينتهي جنوباً عند سوق أم درمان،  ومن شارع الشنقيطي غرباً حتى شارع كرري شرقاً، و”الخليفة عبدالله التعايشي”  هو الذي أطلق اسم المسالمة على الحي، حيث اعتنق عدد كبير من سكانه  المسيحيين واليهود آنذاك الإسلام.
ويمضيا قائلين: يُقال إن بعض حاشية خليفة المهدي كانوا يجبرون بعض المسيحيين على دخول الجوامع، فكانوا يلتفتون إلى الكنائس ويرددون (يا كنيسة الرب ألفي القلب في القلب) وكنيسة الرب التي شُيدت عام 1800م صارت اليوم حطاماً وأطلالا،، لكن وبعد أفول المهدية عاد كثيرون منهم إلى المسيحية، وبقي آخرون على الإسلام ما أسفر عن وجود أسر تضم بينها مسلمين ومسيحيين.
نادي المريخ في بيت الكردي
 وسكنت (حي المسالمة) جنسيات مختلفة من السوريين والشوام والأرمن والسودانيين والأقباط ، ومن أعرق أسر الحي القديم (أسرة التميداب، بينين، النبيداب، الكتيابى)، وبحكم الجوار الجغرافي والتمازج العرقي حدثت توأمة بين (حي المسالمة) و(حي العرب) سيما أن ثمة تداخل بينهما في الحدود ومصاهرات بين الأسر جعلت منهما شيئاً واحداً.
وفي السياق تقول السيدة ” نعيمة بشير سابل”: من أشهر بيوتات الحي بيت “نجيب إبراهيم كباشى” وهو أول بيت في الحي من جهة السوق، يجاوره مباشرة منزل “عبد العزيز رضوان” ومنزل ” الكردي” الذي أُُنشئ فيه أول نادٍ للمريخ، الذي كان اسمه (تيم المسالمة)، يليه منزل “خالد حسن عباس” وزير المواصلات في العهد المايوي، ثم بيت “جعفر علي بخيت” وزير الحكومات المحلية في ذات العهد، فيما ضم الشارع الغربي منزل “صديق عيسى” يجاوره منزل “أسطى صالح” يليه منزل “أبو مرين” و”عباس صبير” و”جورج مشرقي” وناس (يسّا) و”بشير سابل”، وهؤلاء هم سكان المسالمة القدامى.
أرمِ حبلك وأحصل على قطعة أرض
تواصل السيدة ” نعيمة سابل”: كانت القرعة للحصول على سكن تشوبها الغرابة،  فما كان من الشخص إلا وأن يرمي بالحبل وأينما يقع (يدق الوتد )، وذلك بعد إزالة الأشجار والأدغال، حيث أن المكان كان عبارة عن غابة، وكان المتر في حكومة “برمبل” بقرش ونص وارتفع إلى جنيه في عهد الانجليز.
واستطردت قائلة: يلي تلك البيوت بيت “مأمون عوض أبو زيد” عضو مجلس قيادة الثورة في العهد المايوي، ووزير الداخلية الناطق الرسمي بجهاز الأمن القومي ووالده “عوض أبو زيد” الذي كان من الرعيل الأول وكان رئيساً للمجلس البلدي، ويجاوره منزل الدكتور “جعفر محمد علي بخيت” وزير الحكومات المحلية في مايو، ثم منزل ناس “النحاس” وكان وزيراً للإسكان أبان حكم الرئيس الأسبق نميري، وأضافت: و”آل النحاس” كانوا أول وأكبر تجار النحاس بسوق أم درمان، ولا أنسِ أيضاً منزل “الحضري”، و”اسحق خضر” و”ملكه وبتول زكريا”.
حاول يخفي نفسو فـ( تزوجناه)!!
ومن الشعراء والفنانين الذي سكنوا (حي المسالمة)، الشاعر “سيد عبد العزيز” صاحب (حاول يخفي نفسو شفناهو شفناهو)، وقد تزوج “سيد” بحسب “نعيمة سابل” ممن قال فيها القصيدة والأغنية الشهيرة، ومن سكان الحي “عبد الرحمن الريح”، وهو شاعر أغنية (لي في المسالمة غزال)، إضافة إلى الشاعر الكبير “سيف الدين  الدسوقي” والشاعر “عبيد عبد الرحمن”ـ والفنانين “التاج مصطفى”، “إبراهيم عوض”، “رمضان حسن”، وأولاد البنّا.
معالم تاريخية
تعتبر الجوامع والكنائس والمدارس القديمة من أبرز معالم الحي، ومنها مدارس كمبونى، الكلية القبطية، مدارس التوفيق والتقدم التي تحولت إلى (سان جورج) والمدرسة القبطية، ومن الجوامع ( البرقدال ــ جامع عبد الغفار ــ عبد العزيز ـ فضل المولى ــ على أحمد ) إلى جانب ثلاث كنائس.
واعتبرت “نعيمة سابل” (حي المسالمة) أقدم أحياء (أم درمان)، يليه بالترتيب من حيث الأقدمية، ود نوباوي، البوستة، حي العرب، بانت، العرضة، أبو روف، القلعة ود أرو، بيت المال، الملازمين، ثم الثورات التي أُسست في عهد عبود، ثم الفتيحاب والصالحة التي قامت بتوزيعها “نعيمة” بنفسها بحكم عملها في الأراضي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية