شهادتي لله

أمامنا وأمامكم تحدٍ …

ضربت تداعيات موازنة العام 2018 الكارثية كل القطاعات، وامتدت تأثيراتها السالبة في كل الاتجاهات، ولم ينجُ منها أحد يعيش في حدود جمهورية السودان .
والصحافة كالمعتاد، كانت وما تزال أول الضحايا، فكلما رفع الدولار رأسه في السوق الموازية، زاد تجار الورق ومديرو المطابع (غالبها تتبع لجهات حكومية) أسعار طباعة النسخة أضعافاً مضاعفة، بعضها حسابات اقتصادية، وبعضها عجز إداري من تلك المطابع عن التعاقد مع مصادر الورق الخارجية مباشرة والتحرر من احتكار التجار، وربما كانت هناك أسباب (سياسية) تستهدف وجود الصحف، تشبه قرار حكومة ومحليات ولاية الخرطوم بإزالة أكشاك توزيع الصحف، والتصديق في مواقعها لأكشاك السجاير وتحويل الرصيد و(اللبان) ومشروب “الكولا” !!
الدولة فشلت في الاقتصاد، وفي ذات الوقت هي لا تريد صحفاً، لا تريد نقداً ولا نصيحة، ولا ترغب في نشر خبر يكشف قصوراً إدارياً هنا وهناك، فلتذهب الجرايد إذن إلى الجحيم .
تواطأ علينا الاقتصاد مع السُلطة، فكان هذا الحصار المفضي إما إلى التوقف النهائي عن الصدور، والهجرة خارج البلاد، فتصبح الخرطوم مدينة بلا صحافة، أو يضطر الناشرون إلى مسابقة طاحونة الهلاك بزيادة سعر النسخة، كلما خنقتهم مطابع الحكومة بالزيادات الفلكية القاهرة، فبالأمس زادوا سعر طباعة النسخة بما يقارب الـ(100%) عن الأسبوع الماضي !!
وضع الصحافة في السودان ظلامي ومأساوي.. ومفجع، ولا خيار أمامنا رغم ذلك سوى مواصلة المسير بتحدي الصابرين لكل متربص بمنابر التوعية والتنوير، لكل مستهدف لكلمة الحق سواء بالجشع والطمع أو بمخططات الاغتيال والإسكات القسرية .
لم يكن يعجزهم أن يمولوا مطابعهم بالورق مما يتبقى من مال المؤتمرات والمهرجانات والبنيان المتطاول والمشروعات السراب، لكنهم لا يرغبون، فلتذهب مليارات الترف في ما لا ينفع الصحف العنيدة التي تحشر عيونها وأنوفها في ما لا يعنيها !!
أمامنا وأمامكم وأمامكن – سادتي القراء – تحدٍ كبير؛ أن نبقى ليبقى للوطن عيون تحرسه، تراقب أداء جيوش العطالة السياسية المقنعة، تلاحقهم كل صباح، تذكرهم بفشلهم في الاقتصاد والسياسة ونقص الدواء ومعاش الفقراء .
أمامنا وأمامكم تحدٍ كبير.. إما أن يبقى هذا البلد بصحافته القوية المسؤولة والمستقلة، بقدر ما تستطيع من كفاح، وإما أن يذهب الوطن إلى المجهول في جنح الليل، دون أن يرى خروجه أحد .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية