مسامرات
واقع أسود..!!
{ تشوهات سوداء طفرت بشدة على جسد المجتمع السوداني خلال السنوات الماضية، أمسكت بزمامه وقادته دونما بصيرة أو تروٍ كما تقاد العير إلى حتفها.. أمراض مجتمعية تغذي السلوك السيئ لكثير من الناشئة والمراهقين كانت فيما مضى عورات يعمل على تجنبها أغلب الشباب.. وباتت مع تمدد القبح المجتمعي تسري بين الناس بيسر يستنشقونها شهيقاً.. وتستعصي على الخروج بذات اليسر زفيراً.
{ تقلبات وتغيرات حدثت منذ دخولنا الألفية وغزت مجمل القيم المجتمعية والفنية والثقافية.. لم تقابلها (سدود) صلدة لمجابهة ذلك التيار العاتي الذي (قضى) على آخر ما تبقى مما نفخر به من سلوكيات ميزت السودانيين عمن سواهم وجعلت سيرتهم (بيضاء) في أدمغة أغلب الشعوب المحيطة بنا.
{عزا كثيرون حالة التبدل الذهني والنفسي والقيمي لكثير من الشباب السودانيين الى ما سموه طوفان العولمة الذي جرف في طريقه كل ما تواضعنا عليه سابقاً.. وبذات القدر أصدروا مراسيم لحظية ووقتية أعلنوا من خلالها الاستكانة التامة لما آل إليه الوضع القيمي في مجتمع تُعرف عنه غلبة الثقافة الإسلامية المحافظة والتشدد في أغلب الأحيان والظروف والمواقف، وبعد ذلك من قبيل الهزيمة الآنية وإشراعاً لرايات الخنوع وكسراً لمجاديف أفردت لمقاومة ذلك التيار العاتي الذي لا يبقى ولا يذر.
{ ولكل ما سقناه فإن مجتمعات دول العالم الثالث سقط أغلبها في براثن العولمة التي أنشبت أظفارها دون رحمة في لحم التقاليد المجتمعية الحي، ونهشت فيه كيفما تشاء دون (خوف) من أن يكبل سعيها الخبيث ذاك ما يكبح جماحها المتنامي، إذن فإن السعي لما يسمى بالعولمة قد طالت أذرعه معظم مجتمعات دول العالم الثالث ولعبت به أنى شاءت، ومن ضمنها المجتمع السوداني الذي خاض بكل أرجله داخل ذلك المستنقع الآسن، وتلطخ به بقية جسده وهو في ذلك لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن مثيله من المجتمعات الأخرى.. وبذات القدر الذي وطأتنا فيه تلك (العولمة) المتوحشة يحق لنا أن نتساءل عن قيمة وأهمية ما تواضعنا عليه من قيم مجتمعية وسلوك ثقافي وإرث تقليدي كنا نظن إلى وقت قريب أنه مزروع في أدمغة معظم الأجيال السودانية.. وأن أنماط السلوك الشاذ الذي يطفر بين الفينة والأخرى لا يعد سوى تفلتات شخصية لا ترقى كي تكون ظاهرة جديدة، والنقاش الحر والجريء الذي قد يفضي إذا ما كان بوضوح مطلق إلى وضع (سدود) قوية تقدر على الصمود بشكل قوي أمام تلك الرياح العاتية.
{ تبرع كثير من الكُتّاب والاختصاصيين الاجتماعيين والمرشدين النفسانيين على مد المجتمع في كثير من وسائطنا الإعلامية والفنية بتحليلات علمية، وإسداء النصح للناشئة ووضع ملاحظات علمية تبعد بمقدار كبير وواسع عما يطفر بجسد المجتمع كحقيقة ماثلة، وفي أغلب الظن أن أكثر من تعنيهم (الظاهرة) المجتمعية يعدون ذلك التبرع بالنصح نوعاً من فرض الوصاية.. أو أنهم لا يفهمون اللغة التي تتم مخاطبتهم بها، لذا فإنهم يصمّون آذانهم ولا يصبح ذلك سوى أكثر من تسويد لصفحات الصحف، أو ملء فراغ شاشة لثلة من المثرثرين الذين قد يكون أغلبهم قد أكمل دراسته خارج البلاد وقضى سنوات حياته بعيداً عن المجتمعات الميتة.
{ وذاك ما يقودنا إلى الجهر بأن ثمة خللاً في نقل منظومة القيم المجتمعية والسلوكية إلى الأجيال اللاحقة.. أو أنه قد طالها نفسها.. والدليل تساقطها المتتالي أمام تيار العولمة الجارف، ما يعضد أن تلك المنظومة هشة بقدر لا يمكّنها من الصمود أمام أي تغيرات قد تحدث في تلك المنظومات، وبات على من يطرحون أنفسهم كقادة مجتمع ولديهم القدرة على التأثير على السلوكيات الناشئة أن يبدأوا من حيث انتهينا في أهمية النظر مجدداً إلى إجمالي تلك القيم وإعادة صياغتها بما يتواءم وأذواق الأجيال القادمة وأحلامها وآلامها.. وحكاياتها الواقعية..!!
} مسامرة أخيرة
كل ما تباعد بينا عوارض
كل ما هواك يا طيبة مكنّي