متاهة القانون!!
هل السودان ضيعة قانونية؟ لقد سيطر على مخيلة قادة البلاد أن كل المشكلات حلها في القانون، إذا ارتفع سعر الدولار وانخفضت قيمة العُملة الوطنية لجأت الحكومة للقانون، وإن لم تجد نصاً صريحاً بحثت عن التأويل والمتشابهات من نصوص المواد، وإذا رفع المواطنون أصواتهم احتجاجاً على قيام مشروع تنموي أو خدمي رفعت الحكومة في وجه المحتجين نصوص قانون الشغب.. وإذا راقب جهاز تشريعي أداء الحكومة واتخذ القانون نفسه طريقاً ومنهجاً لأداء واجبه.. علقت الحكومة القانون نفسه بإعلان الطوارئ الذي يعني تعليق وتجميد القوانين الطبيعية وسريان الأحكام العرفية.. كل ذلك بفضل عبقرية رواد الاستقلال من القانونيين.. ومن جاء بعدهم إلى السُلطة والحُكم من عسكريين بملابس مدنية أو مدنيين بثقافة عسكرية، والمدرسة القانونية التي حكمت السودان أورثته ثقافة عامة ومفاهيم خاطئة بأن القانون هو الحل لقضايا الاقتصاد والاجتماع والحرب والسلام والزواج والطلاق، وفي أخبار الأمس بصحيفة السوداني ورد هذا الخبر المفجع عن دولة القانون التي نتحدث عنها، ألقت شرطة أمن المجتمع بمدينة دنقلا بالولاية الشمالية القبض على (83) شاباً معظمهم طلاب بتهمة (الحلاقة الشاذة) وارتداء أزياء فاضحة (سيستم) جرى تقديم (68) منهم إلى المحكمة ووجه القاضي بحلاقة المتهمين فوراً وتمت حلاقتهم في حضوره (أي القاضي)، وعلمت السوداني أن الشرطة ألقت القبض على بعض المتهمين من داخل السوق وآخرين أثناء عودتهم من مجمع الكليات التابعة لجامعة دنقلا بضاحية السليم.
من جهة ثانية ألقت الشرطة القبض على (15) شاباً بتهمة ارتداء أزياء وصفتها بالفاضحة ومن المنتظر تقديمهم للمحاكمة اليوم (أمس) انتهى.
الخبر العجيب المريب الذي جاءت به الزميلة النابغة “هاجر سليمان” وكل ذلك يحدث في دولة وولاية المهندس “علي العوض” الحاكم بأمر الله في الولاية الشمالية، بينما مفكر عصري و داعية ومجتهد في قامة الدكتور “راشد الغنوشي” زعيم حركة النهضة الإسلامية، حينما سألته قناة تلفزيونية شهيرة بعد فوز حركة النهضة بأغلبية مقاعد البرلمان ثقة الناخب التونسي (هل تغلق البارات أي الخمارات في تونس؟) قال “راشد الغنوشي” وهو مثقف لا متنطع لن نغلقها بالقوة الجبرية نسعى لإصلاح المجتمع وجعل الخمرة بضاعة لا سوق لها في تونس!!
ولكن في السودان بعد أن كانت شرطة النظام العام تطارد الفتيات في الشوارع وتفصل من تلقاء نفسها مقاسات للزي الفاضح الذي يتوجب على الفتيات اللاتي يقعن في قبضة الشرطة متلبسات بلبسه معاقبتهن.. انتقلت جريمة الملابس الفاضحة للرجال وتفتقت عبقرية حكومة المهندس “علي العوض” لسابقة جديدة اسمها (الحلاقة الشاذة) التي يعاقب مرتكبها بحلاقة جديدة تحددها الحكومة في الغالب (صلعة).
ما هذا التنطع وسوء الظن بشباب في مقتبل العمر يدرسون في الجامعات التي لا تربي طالباً ولا طالبة.. وتنتهج أسلوباً في تلقين الطلاب على طريقة (القطر قام).. ولا تهتم المدارس الحكومية بتربية الطلاب الصغار وحينما تداهمهم سنوات الفتوة والشباب (يتمردون) على الموروث بطريقتهم الخاصة.. من كان يرتدي الجلابية والعراقي يرتدي البنطال، حكومتنا الرشيدة لم تعلم هؤلاء اليافعين شيئاً من السيرة النبوية ولم تربيهم على منهاج سيد سابق.. ولا الإمام “حسن البنا”.. وتركتهم للأكاديميين.. وحينما خرجوا (بقصات) لم تعجب وتروق للشرطة الرسالية كان جزاؤهم الحكم الجائر بلا نصوص في القانون ولكنه حكم القوي على الضعيف.. وسطوة الحاكم على المحكوم.. وحينما تفشل الدولة في معالجة قضايا العصر وتلبي رغبات المواطنين في العيش الكريم تهدر كرامة الإنسان في مثل هذه المهازل التي تجلب لبلادنا وصمة العار والإدانة الدولية في مجلس حقوق الإنسان.