نوافذ

الشوق.. لا يقاوم!

نضال حسن الحاج
مع وجع الحياة اليوماتي..
ماكِنا العشق لكن
قلوبنا على الملاقاة تهاتي…
والبيناتنا لسع بين…
أو كما قلتُ ذات (مشتاقين)..
قد يرى البعض في انشغالاتهم بمتطلبات الحياة أو ادعاء الانشغال.. أو التشاغل من باب تفريغ الطاقة الزائدة عن الحاجة فكرة سديدة.. حتى لا تذهب أوقاتهم سدى جراء الأفكار المؤدية للشعور بالحاجة للآخر..
والآخر الذي أعنيه هنا.. ليس بالضرورة أن يكون (أبو الوليدات) كما يظن البعض.. ولا هو الحبيب المسافر.. ولا هو القريب البعيد.
إنما الآخر هنا هو كل آخر.. مثل أن تنشغل سيدة البيت بأبنائها وزوجها لتكبح شوقاً يلتهم صبرها لأهلها في البلدة الأخرى.. لأمها التي لا تدخر دمعاً في سبيل رؤيتها ولا تترك مسافراً إلا وحملته بالشوق قبيل الوصايا الأخرى.
وعلى ذكر هذا الشعور المخيف.. الشوق لمن ليس بمقدورك رؤيتهم..
كنت ولا زلت أقاوم مر الحاضر بجميل الذكرى.. وأحارب الألم بتذكري لأسوأ ألم في الماضي استطعت أن أتغلب عليه بقوة ما.
كحيائي من دمع أمي على ألمي.. أو خوفي على أبي مما يمكن أن يسببه له ألمي هذا إن كنت قد بالغت في ردة فعلي تجاه ذاك الشيء.. مرضاً كان أو امتحان صبر.. وأذكر هنا- بمناسبة مداراة الوجع خوفاً على الأحباء- أذكر إحدى روائع الرجل الفنان.. الشاعر الفلسطيني “محمود درويش” الذي صاغ هذا الشعور فبرع فيه وكفى وأوفى.. ثم أضاف لها “مارسيل خليفة” أروع ما يمكن أن يضيفه فنان لفنان.. يقول درويش:
 أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يوماً
وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلهاً
إلهاً أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!
….
كنت ولا زلت ألبس قناع القوة أمامهم احتراماً لشعورهم.. بينما يغلبني الدمع ما أن أواري سوءة خوفي عليهم.
وعلى سبيل المثال.. أذكر وصول إحدى شقيقاتي للعاصمة بعد أن استعصى علاجها بود مدني، إذ إنه لم يعرف الأطباء لأسبوع كامل مشكلتها بالضبط.. شقيقتي التي كنت معها قبل أسبوع وهي في كامل صحتها.. أتت على كرسي متحرك.. لا تستطيع تحريك ساكن.. سوى الحديث.. بكى كل من كان حضوراً في تلك اللحظة فعاتبتهم، بل وعنفت من هم أصغر مني سناً.. وطمأنتهم عليها.. ثم دخلت، أغلقت باب غرفتي.. غير أنه خانني وسرب نشيجي إلى كل المنزل، لأجدهم جميعاً على باب غرفتي ما عداها.
هكذا يبكي معظمنا.. خلف سحاب الوحدة.. أو على قارعة الحس.. أمام الناس أو خلف الأبواب المحكمة الإغلاق.. يدعي الانشغال بكل شيء أو بلا شيء حتى يهرب بعيداً عن مسار الشوق أو الألم أو الحزن.
إلا أننا نظل تحت قبضة بشريتنا.. يشتاق القلب فـ(ترف) أعيننا إنذاراً بهطول الدمع..
غمامة من الحزن تنشر ثوبها على فضاء الروح.. تستفز العين فتنثر دمعها لؤلؤاً على حافة ذاك الثوب..
الحزن جزء منا.. والشوق شعور لا يُقاوم.. فقط تختلف ردة الفعل من شخص لآخر.. فقط..

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية