قصة بلدين!
العنوان لا يعيد الجراح ويفتح صفحات لكتاب (قصة بلدين) للدكتور “منصور خالد” ولا هي محاولة لإعادة قراءة ما بين سطور (الصورة الزائفة والقمع التاريخي)، ولكنها محاولة لفهم غامض العلاقة بين السودان ومصر، والتي تدحرجت في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي إلى حافة الحرب بعد محاولة اغتيال “حسني مبارك” في أديس أبابا، ثم عادت تدريجياً حتى اقتربت من سنوات الخصب ومايو و”مبارك” و”جعفر نميري”، وما أدراك ما التكامل الموءود!
جاء “مرسي” في صيف هذا العام عبر صناديق الانتخابات وإرادة أغلبية الشعب المصري رئيساً يفترض أنه الأقرب للسودان وللسلطة الحاكمة في الخرطوم. والنظامان في البلدين كانا على طرفي نقيض (علماني.. إسلامي). وفي حقبة (النميري – السادات) توافقت الخرطوم والقاهرة على قضيب القطار الأمريكي، الذي ظل يحمل الأنظمة المصرية منذ طرد السوفيت وتغيير القاهرة لمسارها من اليسار لليمين، وقنع السودان تاريخياً بموقع (المردوف) حتى حقبة الإنقاذ التي حاولت الخرطوم الخروج من عباءة الوصاية المصرية، فانكشف ظهرها عربياً وأفريقياً. وحقبة الرئيس “مرسي” اعتبرها المتفائلون بالسانحة التاريخية للبلدين للتكامل، وتبادل المنافع، وإزاحة هواجس الأمن التي يصنعها (المخبرون)، بيد أن العلاقة في ظاهرها حتى اليوم بين الخرطوم والقاهرة تراوح مكانها القديم.. لم يرس “مرسي” بعد على كرسي السلطة وتناوشته مشكلات مصر من قمة الخبز حتى صراع العلمانية واليساريين. والسودان في السنوات الأخيرة، انكفأ على مشاكله الداخلية التي أقعدته عن أي دور خارجي مثله وشقيقته مصر.. وفي الأسبوع الماضي أعلن عن (تراتيب) لافتتاح طريق (قسطل – حلفا) كأول خطوة عملية في عهد “مرسي” الجديد للانفتاح جنوباً، وتبدّد حلم فتح المعبر حتى نهاية العام الجاري تحت ذريعة إنشاء مواقع للجوازات والجمارك والنقاط الأمنية قبل فتح المعبر؟
وفي الأخبار إطلاق سراح سجناء سودانيين في مصر والقبض على صيادين مصريين انتهكوا حرمة مياه السودان في البحر الأحمر، والصحافة المصرية وأبواق الإعلام المصري الذي تسيطر عليه (بقايا) النظام الشمولي البائد وتيارات العلمانيين واليساريين المصريين، وهؤلاء أحرص على تخريب أي تقارب بين “مرسي” و”البشير”. وفي السودان أشاعت تيارات أخرى معارضة من اليمين المؤتمر الشعبي ومن اليسار الشيوعي واليسار الجزافي بأن “مرسي” يميل قلبياً نحو الحركة الإسلامية التي يتزعمها “الترابي” ولا يطيق تعاوناً مع الحكومة السودانية، مع أن حركة الإخوان المسلمين في مصر لها مواقفها التاريخية من “الترابي” ولن (تغفر) له سودنته للحركة الإسلامية في السودان، وإلغاء مسمى المرشد؛ إمعاناً في النأي عن مصر.
واقع العلاقة بين الخرطوم والقاهرة يثير تساؤلات: هل ثمة اتفاق غير معلن لتأجيل الملف بين البلدين ريثما (ينهي) “مرسي” جدول أعماله العربي والأفريقي والأوروبي و(يتفاهم) مع أمريكا، ثم يعود لحدائق المنزل والجيران، أم وجد “مرسي” نفسه وسط مناخ معادٍ للسودان ويخطط لإبعاد أي تقارب بين “مرسي” و”البشير”،؟!! لا حباً في الأول ولا خوفاً من الثاني، ولكن ثمة صاحب بقرة حلوب يقرر متى يعلفها في المزرعة، ومتى يتركها تأكل من حشائش الأرض!