دارفور الآن
عدتُ أمس (السبت)، من دارفور، بعد زيارة امتدت لثلاثة أيام، بدعوة من وزير الدولة للإعلام “ياسر يوسف”، شملت محليتي زالنجي وجبل مرة في ولاية وسط دارفور، ضمن مشروع حملة التعبئة الإعلامية للجمع الطوعي للسلاح قبل بدء مرحلة الجمع القسري أي النزع (بالقوة).
ودارفور اليوم اختلفت عن دارفور أمس القريب.. وتتشابه الأوضاع في هذا الإقليم الذي يتأثر شماله بما يحدث في جنوبه، وجوهر الاختلاف في الإنسان الذي يمثل الخير والشر معاً.. وإنسان دارفور اليوم (قنع من خيراً في الحرب) حتى الدفاع الشعبي والقوات شبه النظامية التي تقاتل إلى صف الحكومة بدوافع عديدة ما عادت مستعدة لخوض حرب جديدة.. والتمرد الذي كان يدق أبواب أم درمان انحسر في منطقتين في أعلى جبل مرة.. متخفياً وسط المدنيين لا يهاجم القوات الحكومية وتوقف عن نهب الطرق، ولكنه يستقبل المنهوب من الماشية الذي يأتي به إليه في جبل مرة متعاونون مع التمرد لهم مصلحة في استدامة حالة الأزمة.
لا حديث لأهل ولايات دارفور إلا عن متى تصل قوات الدعم السريع لبدء مرحلة النزع القهري للسلاح بعد أن وصلت طلائع تلك القوات إلى ولاية شمال دارفور.. وأخذ الرعب يتسلل إلى المسلحين في معسكرات النازحين الذين كانوا يستخدمون السلاح من حين لآخر، وقد بلغ النازحين رسالة الدولة بأنها لن تستثني أحداً من حملة السلاح، وأينما كان السلاح فإنها ستبلغه، وإذا لم تسلم المعسكرات أسلحتها طوعاً فإن الجمع القسري لا شك بالغها.. وفي ذات الوقت بعثت الحكومة برسالتها للمتمردين بأن يدها ستطالهم لنزع أسلحتهم إذا لم يستفيدوا من الأيام القليلة المتبقية من مهلة الجمع الطوعي.
وزير الدولة “ياسر يوسف”، وهو يقود فريقاً إعلامياً من الإذاعة القومية والتلفزيون الأم درماني والشروق وعدداً كبيراً من الصحافيين بث هذا الفريق أضواءً كثيفة على الأوضاع في ولاية وسط دارفور، التي منها انطلق التمرد بعد ثلاثة عشر عاماً، ومنها أيضاً بدأت التسويات مع مجموعات عديدة أخرى حركة تحرير السودان القيادة العامة ومجموعة د. “التجاني سيسي” و”أبو القاسم إمام”.. وكان الحدث الأبرز في الرحلة الإعلامية الصعود لقمة جبل مرة.. وبث الضوء الكثيف على المواقع السياحية والأثرية.. ومزارع البرتقال الحمضيات التي عادت لدائرة الإنتاج بعد تحرير تلك القمم الشاهقة والكهوف المظلمة من المتمردين بالحسنى كما في اتفاقية كورون التي انضم بموجبها أكثر من ألف عسكري من قوات “عبد الواحد” إلى القوات المسلحة منهم نحو (40) ضابطاً هم اليوم من منسوبي القوات المسلحة.. وفي محلية وسط جبل مرة قولو كان الخطاب السياسي للحكومة أكثر ميلاً للرقة والعقلانية والدعوة للحوار، وقد قال “ياسر يوسف” إن رفع العقوبات الأمريكية هي سانحة لفتح نوافذ الحوار مع حاملي السلاح ومع كل المعارضين، لأن من أسباب تدخل الآخرين في الشأن السوداني انقسام الصف وتنازع أهل البلاد.. وبدأت مشاهد تعافي منطقة جبل مرة بكثافة العودة الطوعية.. من مناطق التمرد.. وافتتاح (16) مدرسة ثانوية خلال عام واحد وافتتاح (30) مدرسة أساس.. وقد قرعت أجراس المدارس بدلاً من طبول الحرب.. ونجح مشروع تعمير جبل مرة في حفر (42) بئراً لتوفير المياه حتى الآن وإجلاس الطلاب، ولكن تبقت قضية للطرق هي العائق الكبير لاستقرار الإقليم.. ولا تزال وزارة المالية تتلكأ في إنفاذ حتى توجيهات الرئيس “البشير”، فهل يشهد العام القادم صمت السلاح نهائياً بإقليم دارفور إذا مضت الأوضاع بخطاها الراهنة نحو الاستقرار ونزع السلاح؟.