أخبار

خربشات الجمعة

(1)
{ كان “علي سالم البيض” يهرب من زخم عدن وشعارات الثوريين وآمال اليمنيين الجنوبيين في رؤية بلادهم معافاة من أمراض الفقر، بأن يمضي أيام في بلدة صغيرة بالقرب من ميناء المكلا.. الرجل المثقف يقرأ كتب “ترتو سكي” ورأس المال “للينين” تحت ظلال شجرة يتسرب من بين أغصانها ضوء الشمس.. وحينما بدأ الزلزال السياسي يضرب اليمن، وقف الريفيون مع “علي سالم البيض” ولكن لم تسعفه النخب الخائنة التي طعنته من جنبتيه.. وقد صنع الريف والحكومات المحلية نجوماً في السياسة.. كان أعظم رئيس فرنسي “جاك شيراك” قد صعد لقصر الأليزيه من عمدة لبلدية باريس ليصبح رئيساً لأهم دولة أوروبية عرفت بالتسامح والثقافة والفن والرياضة، بعد أن قهرت بالوافدين من كل جنس ولون برفاق “زين الدين زيدان” الجزائري الأصل و”دوساية” الغاني الأصل، سحرة الأمازون حينما سهرت المدن الفرنسية حتى الصباح فرحاً بنيل فرنسا كأس العالم عام 1998م.. وإذا كان المهندس “محمود بشير جماع” قد صنع ربيع وزارة المياه وهو القادم من صحراء دارفور الشمالية.. والسيد “نصر الدين السيد” قد انطلقت نجوميته من بلدية بحري، فإن كثيراً من الرموز والنجوم في السودان وغير السودان قد جاء بهم الريف والحكم المحلي.. وحتى الولايات المتحدة الأمريكية قدمت للعالم رئيساً “رونالد ريغان” من (والٍ) لولاية كلفورنيا.. طبعاً هناك يُسمى حاكماً.. وهنا والياً.. وما بين “ريغان” الذي حينما ضرب الجفاف والمحل غرب السودان وتردد اسمه في شفاه الحسان ودخل قاموس الغناء السوداني وولج أيضاً لساحات مدح “المصطفى” صلى الله عليه وسلم، وحينما ردت الصوفية مع الراحل “البرعي” قصيدته (أكفينا بفضلك من عيوش ريغان).. في ذات المكان الذي استقبل في ثمانينيات القرن الماضي نائب رئيس الولايات المتحدة “جورج بوش”.. أي قصر كردفان.. كانت الأبيض صباح الخميس قبل الماضي تقدم واليها “أحمد هارون” في مرافعة عن مشروع نهضة الولاية.. وقد تسرب الإحساس لدى الكثيرين بأن “هارون” بهذا التميز في الأداء والقدرة على التعبير يقدم نفسه للمركز مرة أخرى بعد أن أنضجته سنوات الخصب في جنوب كردفان والتي أعقبتها سنوات الحرب.. ثم الآن في شمال كردفان سنوات إعادة البناء لبنيات غمرتها سيول الرمال الجارفة من الصحراء..
وقد أختار مولانا “أحمد هارون”.. تقديم مرافعته ربما تكون الأخيرة أمام الجلسة المشتركة اللجنة العليا لنفير النهضة ومجلس النهضة وبطريقته الخاصة وضع “هارون نقاط عديدة في سطور التنمية بشمال كردفان.
(2)
إذا كانت الفترة الأولى للمشروعات الإسعافية سريعة المردود قد شملت المياه.. وزيادة الإنتاج من (14) ألف متر مكعب في اليوم إلى (20) ألف متر مكعب في اليوم عام 2013-2014م، فإن العام الذي يليه ارتفع إنتاج المياه إلى (36) ألف متر مكعب مثل الوصول إلى (40) ألف متر مكعب في اليوم لمدينة الأبيض وحدها.. وبذلك حلت نصف مشاكل المياه في المدينة الكبيرة.. ولكن المرحلة القادمة بما يشبه قرع الأجراس مبكراً والتحضير لعمليات جراحية صعبة، باعتبار أن الإصلاح والنهضة والتنمية مسألة مستمرة ولن تنهض شمال كردفان إلا بإصلاحات عميقة للخدمة المدنية.. وهناك يضع يده في المكان الذي أنجبت (الكلبة جراوها) والجرو هو صغير الكلب.. أو التلويح بإصلاح الخدمة المدنية وطلب المساندة من مجلس النفير يعني إجراء عمليات بتر وتنظيف وإعادة توظيف للبشر العاملين في الوزارات بعد أن كشف مولانا عورات الخدمة المدنية.. خريجو القرآن الكريم يذهبون لوزارة التخطيط العمراني وخريجو الهندسة في وزارة المالية؟؟
والعدد الكبير من الموظفين بشمال كردفان يمتص كل مال الدولة.. فهل يلجأ “هارون” للإصلاح الصعب.. وكيف يواجه عاصفة المقاومة المنتظرة.. وتحالف السياسيين والموظفين وأصحاب المصالح؟؟ مثل هذه التحالفات تشكل خطراً حقيقياً ليس على مستقبل “هارون” السياسي والتنفيذي بل على استقرار الأوضاع كلياً.
(3)
ما لم يذكره “هارون” في خطابه والمشروعات التي قدم ملامح عنها هو الوضع الداخلي لمدينة الأبيض شوارع رديئة حفر ومطبات.. وفوضى عارمة في تشييد مبطئات حركة المرور التي تسمى شعبياً بـ(البوليس النائم) حتى غدت السيارات تبحث عن الحركة بين أزقة الأحياء هروباً من تلك العوائق التي ينهض ببنائها المواطنون بمحض إرادتهم ومن غير استشارات هندسية، ثم إنارة الطرق العامة وتجميل الأسواق وفك الاختناقات المرورية.. وإعادة بائعات الشاي إلى الأسواق ليلاً.. بعد أن حرمهم المعتمد “شريف الفاضل” من حق العمل ليلاً بإدعاء أن هناك قلة منهن يمارسن تجارة أخرى تحت ترابيز وبنابر الشاي.. وللمعتمد مبرر آخر خطير لا يليق به، إن الشباب يسهرون مع بائعات الشاي حتى الساعات الأولى من الصباح.. ويتباطئون في العمل صباحاً.. حينما أصدر معتمد شيكان قرار إيقاف بائعات الشاي عن العمل ليلاً كان عليه أن يتذكر تبرعهن بكوب شاي لصالح النفير لكل بائعة شاي أي خمسة جنيهات في اليوم الواحد وهو تبرع سخي من نسوة قهرتهن الظروف وأرغمتهن أوضاعهن الخاصة للخروج من بيوتهن بحثاً عن لقمة العيش الشريفة، فهل يعيد مولانا “هارون” النظر في قرار لا يليق بحكومته.. أخيراً فإن خروج هلال التبلدي من البطولة الأفريقية بعد هزيمته من فريق مازيمبي أو سحرة الكنغو لا ينبغي أن ينظر إليه كإخفاق بل حقق هلال الأبيض ما عجزت عنه أندية الهلال والمريخ في العام المنصرم.. ولولا قرار التجميد لظهر هلال الأبيض بمظهر أفضل مما شهدناه يوم السبت الماضي.. وهلال الأبيض الآن يخوض غمار الدوري الممتاز وينبغي له النظر بعيداً في كيفية العودة منافساً للهلال والمريخ وحجز مقعده في مقدمة أندية الممتاز، لكن هلال الأبيض مهدد بدفع ثمن موقف اتحاد شمال كردفان الداعم لمجموعة “معتصم جعفر” وموقف مولانا “أحمد هارون” المساند لـ”أسامة عطا المنان” مع أن “شداد” و”حميدتي” أقرب للأبيض من “معتصم جعفر” و”مجدي شمس الدين”.
(3)
في عام 1978م، كان “فضيلي جماع” الشاعر المرهف تحول في حي القبة بمدينة الأبيض فكتب قصيدة لصديقه “عالم عباس” تحت عنوان الهروب إلى المنفى ومن أبياتها التي لم تسقط من الذاكرة قوله:
أحلى من اللقيا انتظارك
وفي المحطات البعيدة
كلما خطرت ببالي الأغنيات
هرعت منتشيا إليك
وأعود طفلاً عندما ألقاك
أهرب من يديك إلى يديك
وكل جمعة والجميع بخير..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية