الديوان

"محمود الكردفاني": النكتة ما عندها ملكية فكرية ووزارة الثقافة تقول (يا روحي)!!

رغم أن “محمود آدم حسين” الشهير بـ(الكردفاني) من مواليد مدينة المجلد، إلاّ أنه عاش في بيئات مختلفة متنقلاً بين جنوب وشمال كردفان والخرطوم ورشاد وأبي جبيهة والجبال الشرقية، حيث العلاقات الاجتماعية، والبيئة البكر التي تأتي إليها حتى الطيور مهاجرة من أستراليا وكندا والبحر الأبيض المتوسط في موسم (منقة) أبي جبيهة الرائعة. وتظل “كادوقلي” في خاطر (كردفاني) المدينة الأجمل، حيثُ قضى فيها أجمل أيامه قبل أن يتوجه إلى  (الأبيض) شمالاً، حيث الرمال والأبالة والبقارة، وزخم والمردوم والجراري، ثم أخذ كل هذا و(سافر) به للدراسة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم (النيلين حالياً)، فدعمه وعضده بالثقافات الأخرى من مختلف السودان، وبهرته أغنيات السماكة وإيقاعاتها من الشرق، وإيقاعات الدليب من الشمال، وتناغم وانسجم حتى صار كما هو الآن (سوداني) ينتمي للجميع، وصار الحوار معه رحلة شيقة تطوف بك السودان كله، دون أن تمل أو تكل، فإلى المضابط..
{ أين وجدت نفسك.. في الدراما أم الغناء؟
– عندما كنت صغيراً في مدينة (رشاد) كنت أشاهد مصارعة البقارة ويو كشكل درامي يصاحبه المردوم والموسيقى، وفي يوم الخميس عندما يوشك السوق على الإغلاق يحتشد أهل المدينة في (ميدان الكورة) ليشهدوا هذا الحدث المهم، حيثُ يحاكي (المصارعون المتبارون) المواجهات في الغابة مع الأسود والضباع والنمور في شكل درامي بالغ المتعة والإثارة، كما أنني استفدت من أغنيات الحكامات في تشجيع الأبطال، والقضايا التي تطرح بشكل درامي على محكمة (العمد) فاتسع خيالي الدرامي، ثم أجدت العزف على آلات (البربري، الكيكي والطنبور) وأغني بها الأغاني المحلية، وتعلمت أن وزنة الشعر على إيقاع الحصان تسمى (المردوم) أو ضربة (البقارة) أما (الأبالة) فعلى إيقاع (الجمل) (الزول السرب سربا)، والبيئة أثرت عليّ تأثيراً كبيراً، حيث طائر (نقار الخشب) وأصوات (القماري) وإيقاع (فأس الحطاب).. كل هذه الأشياء جعلتني أعشق الفن حد أنني تعلمت العزف على الأكورديون والعود.
{ طيب.. هل تأثرت بالفنانين السودانيين القدامى؟
– كنت استمع لـ”عثمان حسين” و”النعام آدم” و”الكابلي” و”حسن عطية” حين التحاقي بدار فنون كردفان التي كانت تجمع الفنانين الكبار، وهناك التقيت بالراحل “إبراهيم موسى أبا”، و”عبد الرحمن عبد الله”، ثم  الفنان “عبد القادر سالم” هنا في الخرطوم، واستفدت منهم وطوّرت قدراتي. وفي الخرطوم حين أتيت إليها نهاية الثمانينيات كان يوجد “عمار السنوسي” و”سيف الجامعة” لكن الدراما أخذتني فأسسنا مجموعة (الهيلاهوبا) التي استهدفت مشاكل الطلاب وتقليد القبائل، وقبلها كانت فرقة (الجو الرطب)، ومن ضمن الذين شاركوا فيها الأستاذ “بابكر سلك”، “محمد علي”، “بشارة الحلمنتيشي” و”أكرم” الآن خارج السودان، ثم بدأنا أنا “وربيع طه” و”طارق الأمين” و”الخير”، و”محمد السماني” و”عادل أب جقادو” الذي يعد أول من ألف النكات الموجودة حالياً لفرقة الهيلاهوب.
{ هل تسجلون النكتة في الملكية الفكرية؟
– النكتة ليست لديها ملكية فكرية فهذه مدرسة كوكتيل..
{ ونشاطك بالمسرح…؟
– لدينا تجربة (مسرحية شبابيك) التي عرضت بمسرح أمبدة الأهلي ونجحت.
{ حدثنا عن لونية مدرستكم وخاصة النكتة؟
– دخلنا البيوت وطفنا الولايات فنجحت المدرسة ووجدت قبولاً كبيراً، وهي مدرسة ارتجالية تعتمد على الاسكتشات و(الحاجات المخزنة عندك) على شكل نكات، منلوج، حلمنتيش وخلافه من أنماط خفيفة.
{ وتقومون بتقليد الفنانين أيضاً؟
– الإنسان يقلد منذ القِدم.
{ من أين تستوحون أعمالكم؟
– من جلسات (ست الشاي) في الشارع العام، والونسات العفوية باللهجات المختلفة، ومن سائقي المركبات العامة والأسواق وجلسات الضرا وخلافها.
{ هل لديك مشاركات من خلال الحيشان الثلاثة إذاعة مسرح وتلفزيون؟
– مشاركات موسمية في رمضان والعيد، واستضافات وسهرات في الإذاعة والتلفزيون، وفي هذا سجلنا تسجيلات كثيرة.
{ داخل وخارج البلاد.. هل ثمة رحلات عمل؟
– نعم، زرنا كسلا، بور تسودان، نيالا، الفاشر، ومدن أخرى، نذهب إلى حيث تُقدم إلينا الدعوات من المؤسسات العامة والخاصة، أما خارجياً فقد شاركت في مهرجان (دبي)، وقدمنا عروضاً للجالية السودانية في كل الإمارات، وهنالك دعوات تأتينا من الجاليات في إريتريا، وأثيوبيا، ومصر، وجنوب أفريقيا.
{ ماذا عن التراث؟
– التراث عبارة عن إيقاعات أقدمها من البيئة المحلية مثل المردوم والدليب، ولدينا عازفون، بل أوركسترا كاملة بآلاتها ورقصاتها التي تقدمها في الرحلات السياحية في البواخر الكبيرة التي تنظمها بعض الجهات الحكومية والخاصة وإدارات الأندية أو المنتجعات كرحلات نيلية.
{ هل هنالك مشاكل تواجهكم في ذلك؟
– والله، يا ريت نلقى مساعدة، لأن العمل في التراث من مهام  وزارة الثقافة، لكن للأسف الشديد وزارة الثقافة ذاتها (تقول يا روحي) حيثُ تقدم مهرجان (مش ولا بد) ضعيف جداً، ونحن نقوم بالمشاركة.
{ في الختام.. لماذا لا تحكي لنا عن أكثر موقف محرج مررت به.. وتقول ما تريد؟
– (ابتسم) واستطرد: بعد انتهاء أحد العروض التي قدمناها في مدينة (سنار)، تقدم أحد المواطنين نحوي وفي يده حجر، (عايز  يفلقني بيهو في راسي)، لكن بعض الناس منعوه و(حجزوه)، ولما سألتهم عن سبب ذلك قالوا لي إنه نوع من التعبير عن الإعجاب، (التعبير بشج الرؤوس).. هذا أغرب وأكثر موقف محرج مررت به في حياتي.
وكلمة أخيرة أتوجه بها للفنانين الشباب، أنصحهم بالتواضع وعدم التعالي على الآخرين، وانتقد بشدة (البودي قارد) الذي يتبع بعض صغار الفنانين الشباب، ما في داعي ليه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية