أوضاع ما بعد العيد : ثقوب في الجيوب وبكاء على (المال) المسكوب!!
للفلس عدة وجوه رغم أن المعنى واحد، ولأن الأسر السودانية تعودت على إنفاق ما في (الجيب) أملاً ما في الغيب، فإنها حينما يحل العيد وتهل أفراحه وتكتسي الدنيا بهجتها، تنفق كل ما تملك وما لا تملك، حتى أنها ( تقترض) ليفرح الصغار ويبتهج الكبار الذين لا يفرحون إلاّ في مواسم الأعياد، ويولي السودانيون أهمية كبرى للعيدين (الفطر والأضحى) فيربطون معظم أفراحهم بهما، وما أن تنقضي أيام العيد حتى يصبح كل المعيدين عدا الأطفال في غم وهم بسبب ذهاب المال مقابل فرحة (اليومين تلاته)، وتوسيع ماعون الصرف بالإنفاق ببذخ في الملابس والأثاثات والحلوى والتذاكر والمجاملات الاجتماعية.
فوضى الصرف
وفي هذا السياق يقول السيد “الطيب حسن” من سكان الحارة الثانية بالجريف غرب، أن هنالك خللاً كبيراً في سلوكنا نحن السودانيين، حيثُ لا نعرف مطلقاً كيف نخطط بالنسبة لمصروفاتنا على الصعيدين الشخصي والأسري، وأضاف: هذا ينطبق على الجميع من يبلغ دخله (خمسة جنيهات) أو (عشرين مليون) على حد تعبيره، واستطرد: جميعهم لا يحسبون ولا يتحسبون، مع أن بقية (خلق الله) في كل دول العالم يتخذون سياسة صارمة ومنظمة تجاه هذا الأمر، حيث تجد الأسرة تحسب مصروف المدارس، الكهرباء، الطعام، فاتورة الماء، الهواتف وحتى المال المدخر يتم حسابه بدقة، كل شيء يحسبونه بدقة شديدة ويلتزمون في ذلك نظاماً صارماً، عكسنا تماماً، الأمر الآخر يواصل “الطيب”: الناس بقوا بتاعين مظاهر، المرا شافت جارتها جابت توب للعيد هي دايره تجيب زيو، الشاب شاف أصحابو جابو موبايل داير يشتري زيو، ودا البعمل الخلل، مع انو تلقاهم يشكو حالهم لي طوب الأرض، أما بالنسبة لي شخصياً، فأنا “مبرمج” نفسي كويس وما بتأثر لا بعد العيد ولا قبلو، مرتب أموري كويس.
(2)
إلى ذلك يقول التاجر “محمد علي الحسن” من حي الديوم الشرقية مربع (HE3 ( أن هنالك أسباباً لإعلان كثير من السودانيين فلسهم بعد العيد، أما بالنسبة لأصحاب المرتبات من موظفين وغيرهم فلا توجد مقارنة ما بين مصروفاتهم أيام العيد ومستوى دخلهم، فالواقع يقول بأن مستلزمات الأسرة والاحتياجات الأخرى أعلى بكثير من الدخل، هذا إلى جانب أنهم مجابهون دائماً بأعباء اجتماعيه كثيرة، تؤثر سلباً على ميزانياتهم، وأضاف: نحن كسودانيين (مجاملاتنا كثيرة)، من مناسبات أفراح وأتراح وظروف مرض، وهذه كلها تمثل التزامات تفوق الدخول المتواضعة، واستطرد: أنا شخصياً جربت العمل كموظف قبل أن أتحول إلى التجارة وعرفت الفرق بين الاثنين، فالتاجر قبل هذه الظروف الاقتصادية كان دخله جيداً، وحتى بعد أيام العيد يكون لديه فائض (مدخرات) لأن العيد نفسه موسم أرباح كبيرة بالنسبة للتجار ربما تغطي لهم ركود باقي أشهر السنة، لكن عاد ليؤكد على أن هذا العام شهد موسم العيد كساداً غير مسبوق حتى أن بعض التجار من أمثالي اضطروا لبيع بضائعهم بأقساط طويلة الأجل كيما يسترجعوا رأسمالهم، وعلق: لو كنت ما محظوظ “بتأكل رأس مالك ذاتو”.
(3)
إلى ذلك أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور “محمد إبراهيم كبج” إفلاس السودانيين بعد الأعياد إلى ما أسماه سبب جوهري، يفضي دائماً إلى معاناة وإفلاس ما بعد العيد، وهو محدودية دخول معظم السودانيين، والتي لا تفِ باحتياجاتهم العادية ناهيك عن التزامات العيد، وأضاف: هذا فضلاً عن تواصل ارتفاع الأسعار، والواقع يؤكد أن أكثر من(46%) من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، واقترح “كبج” على الدولة لإخراج الناس من مأزق فلس ما بعد العيد أن تمنح الموظفين (منحة) بمقدار مرتب شهر كعيدية، بدلاً من صرف المرتبات قبل العيد، وهذا خطأ ينبغي ألا يتكرر، وأن يتم صرف المرتبات في مواعيدها المعروفة، حتى يتمكن الناس من التعامل مع أيام العيد وفقاً لحالتهم الاقتصادية، فلا ينعكس ذلك سلباً على ما بعد العيد، وختم قائلاً: على الدولة تبني سياسات جديدة لمصلحة الفقراء.