الديوان

المائدة الرمضانية السودانية .. عراقة صامدة في وجه المتغيرات

إذا كان لشهر رمضان المبارك خصوصيته التي بها تزدان الليالي في كل البلدان إلا أن لياليه في السودان تجعله الأحلى والأروع على الإطلاق، فأهل السودان ينتظرون قدومه ويعدون له العدة والعتاد منذ شهري رجب وشعبان، خاصة فيما يختص بالمائدة الرمضانية في (الفطور)  و(العشاء) و(السحور)، فهذه الوجبات لها أهمية في نوعية الطعام والشراب وما تتخلله من لحظات أنس وسمر وبرامج عدة..
وتنوع السودان بثقافاته وأعراقه أكسبه ميزات متباينة في شتى العادات والتقاليد، وهذا انعكس جلياً على مائدة رمضان.
كثيرون من خلال استطلاع أجريناه عن خاصية رمضان الجميلة في السودان، أكدوا أنه شهر عظيم يحبونه كثيراً لما فيه من نعمة ورحمة وبركة، فضلاً عن الثواب الكبير من الله تعالى كونه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، مشيرين إلى أن حلوله يسعد الصغار قبل الكبار، ويشيع الفرحة والبهجة في النفوس، وتظل هذه الفرحة في ازدياد إلى يوم العيد السعيد.
وحسب العارفين لرمضان وطقوسه في السودان، فإنه لم يتغير كثيراً منذ نحو نصف قرن من الزمان في كثير من المدن والقرى والأرياف، ولكن اختلافاً طفيفاً حدث مع تغير الزمن وتطور الحياة خاصة في المدينة.
في السياق تروي لنا الجدة “حاجة أحمد” أنها ولأكثر من ربع  قرن تتذكر رمضان (زمان)، حيث حياتها التي قضتها في مدينة ساحرة بجنوب كردفان شاءت الأقدار أن تأخذها طفلة مع عائلتها إلى هناك إلى أن عادت مؤخراً لتقيم في العاصمة (الخرطوم)، وكثيراً ما تتذمر من قضاء رمضان هنا، وتشد الرحال إلى (رشاد) حيث سحر الطبيعة والهواء النقي ولطافة الجو الذي يجعل رمضان هناك أحلى خاصة مع (لمة الجيران والأقرباء) وامتداد العلاقات مع الروحانيات الرمضانية. تقول “حاجة” إنها تلاحظ فرقاً كبيراً في أيام رمضان الآن وفي السابق، مبينة أن جدتها لأمها حكت لها أن السودانيين يستقبلون رمضان بطريقتهم الخاصة لما يقارب القرن من الزمان فاخترعوا مشروب (الآبري) أو (الحلو مر) وهو المشروب الرسمي في شهر رمضان المعظم، أيضاً عرفوا (العصيدة) و(الكسرة) و(ملحاتها) من اللحوم والألبان كـ(النعيمية والتقلية والشرموط الأبيض)، بجانب رقائق الفطير باللبن الحليب و(البليلة) المعمولة من حبوب (الدخن والمليل والحمص)، وتوضح أن الذي كان يعد في رمضان من عشرات السنين لم يعد له وجود الآن مع تطور الحياة، وأضافت إنهن  كنساء اكتسبن قديماً مهارات عديدة من الأتراك والإنجليز الذين حكموا البلاد، خاصة في المأكولات والمشروبات، مشيرة إلى أن تحضير العصائر وحفظها كان يتم بصورة تقليدية ولكنها جيدة، تبدو أقرب إلى طرق التعليب والحفظ الحديثة للفواكه والثمار التي تستخلص منها العصائر الطبيعية. وعن كيفية صنعها تقول: عن طريق غلي الفاكهة جيداً في النار وإضافة قليل من عصير الليمون ووضعها في قارورات زجاجية كي لا تتلف وتبقى لفترة طويلة كل يوم يؤخذ منها القليل في عدم وجود الثلاجات، ومنها كان يصنع عصير (الليمون واليوسفي والمانجو والجوافة) وكذلك ثمار (التبلدي والكركدي).
أما في جانب المأكولات فتوضح “سلوى  محمد خير” (ربة منزل) أن رمضان يختلف في السودان للتباين والاختلاف في كل شيء، وأبانت أنها لأكثر من ثلاثين عاماً أحست فرقاً كبيراً في طقوس رمضان بين اليوم والأمس على مستوى العلاقات والمائدة الرمضانية، مؤكدة على حديث الجدة الموسوعة “حاجة” بأن السودانيات اكتسبن مهارات الطبخ الحديثة الموجودة إلى الآن من الأتراك والإنجليز وأيضاً الشوام الذين أتوا إلى السودان، وزادت: تعلمن من الأتراك (الكفتة والبوفتيك والسمبوكسة)، ومن الإنجليز (الكيك والحلو)، والشوام (الحلويات والفطائر المسكرة)، مؤكدة أن مائدة رمضان إبان تلك الفترة كانت لا تخلو من هذه الأشياء، هذا بجانب وجباتنا المحلية من (العصيدة والكسرة والقراصة)، مشيرة أيضاً إلى أن رخاء المعيشة والحالة الاقتصادية الجيدة، إضافة إلى عدم تزايد طلبات الحياة اليومية كما الآن، كل هذا جعل من مائدة رمضان السودانية أكثر تنوعاً وتذوقاً ونهكة لكل الأذواق، مشيرة إلى أن (الأفندية) من الطبقة الوسطى كانوا أيسر حالاً يهتمون بذلك، كما أن (صواني) الفقراء الرمضانية لا تخلو من (الزبيب) و(التين) والحمام المشوي على الفحم، الذي كان يتوفر في كل بيت. ولفتت إلى أن الناس في السابق كانت متطلبات الحياة اليومية بسيطة لديهم مما يجعلهم يوفرون زاد رمضان مبكراً ابتداء بـ(عواسة الآبري) و(الحلو) و(التين) و(الزبيب) و(الأرز) مبكراً.
وفي السياق أوضحت “ست الجيل إبراهيم” أن الإعداد لتوفير أواني رمضان كان الأهم خاصة (الكور) التي مكتوب عليها (رمضان كريم) وتأتي من مصر بجانب الآنية الصينية الأصلية الصنع وتشمل (الجكوك) و(الكبابي) و(الصحون) وأطقم القهوة ومزهريات الحلو الذي كان من أهم ما يوضع في المائدة ويصنع من المكسرات واللبن والكاسترد، وأردفت: من مزاح السودانيين في رمضان تغيير الأواني كل عام (عدة رمضان).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية