الجزار "فخر الدين": (نحن أكثر ناس مسالمين)
والده أقدم جزار بسوق أم درمان
المجهر – خالد الفاضل
يعتقد الناس أن الجزارين أناس شرسون بحسبان أنهم يتعاملون مع السكاكين والسواطير طوال اليوم، وهذا كان مدخل دردشتنا مع “فخر الدين محمد بشير” جزار بسوق أم درمان بسؤاله عن صحة هذا المعتقد. وسألناه ثانياً عن نوع “اللحمة” التي يختارونها لوجباتهم الخاصة باعتبارهم جزارين ويعرفون مكان (المطايب) وأسئلة أخرى كثيرة من (بيت الكلاوي) حسب لغة الجزارين.
{ نصيحة الوالد
بداية عرفنا “فخر الدين” بنفسه بالقول: إنا “فخر الدين محمد بشير” من أبناء حي العرب أم درمان، ورثت هذه المهنة عن والدي “محمد بشير” الذي أقعده عامل السن الآن، وقد كان من أشهر الجزارين بسوق أم درمان ويقول “فخري”: (والدي علمني هذا العمل منذ طفولتي، وقبل ذلك علمني ألا أغش في عملي هذا ولا أخفي على الزبون أي عيوب في اللحم الذي أبيعه له، ونصحني بعدم ذبح “البهيمة” المريضة التي توشك على الموت).. قلت لـ”فخري” مازحاً: (أنتم طبعاً جزارين وبتعرفوا اللحم السمح بتختاروا شنو لي أكلكم؟)، فأجاب ضاحكاً: (طبعاً الواحد جزار ود جزار من ما قمنا وجدنا “المطايب” ونعرف من أين تؤكل الكتف كما يقولون، وأنا شخصياً أحب الشية الضاني وأفضل فيها لحم الزند). ومازحته بسؤال آخر عن اعتقاد الناس بأن الجزارين أشخاص شرسون كل تعاملهم بالسكين والساطور فضحك وقال: (لا والله الجزارين أكثر ناس مسالمين ونتعامل مع السكين والساطور بحذر شديد).
{ جوانية
قلت لـ”فخري”: بماذا تنصح من يريد لحمة مفرومة فأجاب: (اللحمة المفرومة الأفضل أن يقوم الزبون بشراء اللحمة وفرمها وأفضل حتة للحم المفروم اسمها “الجوانية” وهي منطقة الفخذ. وسألته عن كيف يميز الزبون بين اللحمة الجيدة من الرديئة فقال: (عينك سرك من مظهر اللحم تعرفه هل هو جديد أم قديم، ويمكن أن تلمس اللحمة بيدك لتكتشف إن كانت خارجة من الثلاجة تكون باردة ومعناها “بايتة” والجزار يفترض ينبه الزبون إلى أن اللحمة “بايتة”).. قلت لـ”فخري”: بصراحة أيهم أكثر إلحاحاً من الزبائن الرجال أم النساء؟ فأجابني: (النساء هن أمهاتنا وأخواتنا وهن بطبيعة الحال يبحثن عن اللحم السمح والزيادة لذلك هن أكثر مجادلة من الرجال).. فواجهته بما يشكو منه الزبائن بأن الجزار دائماً لا يعطي الزبون طلبه بالضبط ويحاول خلطه ببعض الأجزاء التي لا يرغب فيها الزبون، فأجابني بسرعة: (لا الأمر ليس بهذا المعنى، لكن لازم أشايل اللحم الضلعة الكستليتة والعرقوب والمخروقة وعكوة، لازم تتماشى مع بعض لو ما اتماشت ما في فايدة).. وتحدث “فخري” بصراحة عن بعض التحايل على الزبائن الذي يمارسه بعض الجزارين بقوله: (نعم هنالك جزارون يذبحون العبور “النعجة” ويعرضونها على أنها ضأن، لكنهم قليلون جداً).. ويضيف: (وللحقيقة لا يوجد اختلاف كبير في شكل اللحم ولا يمكن اكتشاف الفرق بين لحم النعاج والضأن حتى لو جزار أو راعي إلا إذا كانت نعجة متقدمة في السن فيكون شكل اللحم باهتاً ومختلفاً).
وألححت على “فخري” بالسؤال عن نوع اللحم “الأطعم لحلة الملاح”، فأجابني: (أفضل حاجة للحلة المخروقة، والضلع القصار أفضل شيء طاعمة وفيها مقرشة ولحمتها جيدة).. وعن أفضل حتة لحم في العجالي قال: (أحسن حتة في لحم البقر بيت الكلاوي والبعض يقولون الزند).
{ أفضل الزبائن
وعن أشهر الجزارين بسوق أم درمان ذكر “فخري” الراحلين “ناصر درميس” و”مصطفى حمص” و”أحمد أبو شنيب”.. وعن مواقفهم مع الزبائن يقول “فخري”: (أغرب حاجة أن بعض الزبائن يطلبون اللحم بايت يقولون إن نسبة الكلسترول تكون أقل، وأفضل زبائني الصينيون يفضلون الضلع ولا يشترون أي شيء آخر، نتفاهم معهم عن طريق المترجم وبعضهم تعلموا اللغة العربية لطول فترة وجودهم في السودان).