أخبار

الحريات والحوار

قديماً قيل لا يعرف الشوق إلا من يكابده.. وحزب المؤتمر الشعبي حينما أنشق عن الوطني جعل الحرية والديمقراطية شعارات براقة يخاطب بها مخيلة الشعب.. وقد دفع الشعبي الثمن باهظاً وهو في مقعد المعارضة تذوَّق قادته مرارة الحرمان من ضوء الشمس.. وحق الاختيار. والقراءة.. ومشاهدة التلفاز.. وانتقل بعضهم من كراسي السلطة والحكم المطلق إلى زنازين سجون كوبر وربك.. والفاشر.. لذلك أصبحت الحرية كأنها عقيدة جديدة لبعض قادة الحزب، مع أن الشعبي فصيل سياسي تموج في داخله تيارات شمولية وتيارات ديمقراطية.. وتيارات لا يؤمن بعضها مطلقاً بالديمقراطية والحرية، شأنهم وبعض تيارات حزب المؤتمر الوطني الذي هو الآخر تتصارع داخله تيارات ديمقراطية تؤمن بالحرية والديمقراطية، وتيارات أخرى شمولية المذهب والهوى والقناعات، لذلك تأرجح أداء الحكومة حيال الحريات ما بين المد والجذر.. وما أن تهب نسمات حرية وديمقراطية وإلا استحضر أعداؤها مقولات شفاهية أنه ما ضاع الذين حكموا السودان من قبل إلا بسبب حرية الصحافة والتعبير.. مع أن الحركة الإسلامية ما تنامت وترعرع غرسها وتمدد كسبها إلا بالديمقراطية والحرية.. وبعد رحيل الدكتور “حسن الترابي” واختيار الشيخ “إبراهيم السنوسي” ليقود سفينة الشعبي في أصعب مرحلة تاريخية يتعرض لها “السنوسي” وحزب المؤتمر الشعبي، إلا وأخذ بعض المناوئين للرجل ينتاشونه بسهام صدئة.. بهتوه بأنه تخلى عن منهج “الترابي”.. واستبدل المواجهة بالمهادنة.. وركل الحريات بحذائه الأبيض.. ومشى على السلطة مكباً على وجهه.. ولكن “السنوسي” أثبت معدنه الأصيل.. وتمسك بالديمقراطية والشورى وحكم المؤسسات واتخذت قيادة الشعبي قرار المشاركة في حكومة الوفاق الوطني مشروطاً بالتزام الحكومة بالحريات والديمقراطية، وفرض “السنوسي” حراسة على الحريات حتى أودعها الرئيس البرلمان بمرسوم ينظر فيه المجلس الوطني في دورته القادمة التي تبدأ في أبريل القادم بدخول أعضاء (معينين) يمثلون ثمرة الحوار الوطني، وبذلك يصبح المؤتمر الشعبي قد أوفى بعهده.. مع المواطنين.. ولن يجد مرسوم الحريات الذي أودع البرلمان مقاومة أو رفضاً من نواب المؤتمر الوطني الذين هم أيضاً حريصون على مسألة الحريات والديمقراطية، ولكن ثمة تحفظات على مسألة الحريات المطلقة في ظل وجود حركات تحمل السلاح وتهدد أمن البلاد.. وتحفظات كبيرة في مسألة تجريد جهاز الأمن الوطني من سلطاته المنصوص عليها في القانون وتحويله لجهاز يجمع المعلومات فقط، ويقدمها إلى جهات أخرى.. نعم، ذلك هو المنال الذي يتوق إليه كل محب للديمقراطية.. والحرية وسيادة حكم القانون والعدالة، ولكن الواقع يقول إن هناك تمرداً في أجزاء عديدة من الوطن.. وللقوى التي تحمل السلاح مناصرون في الداخل.. إذا ما فتحت نوافذ الحريات بلا قيود قانونية أو تنظيم، فإن هناك من لا يتورع في مناصرة المتمردين وتجميل وجوههم.. والطعن في شرف القوات التي تقاتل وفي ذلك خطر عظيم على التجربة برمتها.. وثغرة قد يتسلل منها انقلابيون.. يضعون بلادنا مرة أخرى في مكان لا يليق بها.. نعم، لحرية التعبير والصحافة ولرفع القيود وإلغاء الحظر والمصادرات، ولكن رفقاً بالتجربة من المغامرات غير المحسوبة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية