مأساة مرضى!!
{ عشرة آلاف مريض بالفشل الكلوي في السودان يواجهون خطر الموت القريب، ليس بمضاعفات المرض أو سوء العناية الطبية، لكن لعجز الدولة عن الوفاء بواجبها نحو مواطنيها، وخطل التقديرات والسياسات المتبعة في القطاع الصحي والمواصفات والجمارك.. في كل يوم يتظاهر مرضى الفشل الكلوي وترتفع الأصوات مطالبة بتدخل الدولة دون أن يشير أحد لأسباب الأزمة وكيفية علاجها.. وفي هذا الأسبوع زرت مركز بحري لأمراض الكلى الواقع شمال حي الصافية العريق، وتبدت لي قضية أن خلف جدران مراكز الكلى مآسي إنسانية حقيقية، بسبب نقص ماكينات الغسيل و(تزايد) المرضى لأكثر من (800) مريض فقط قبل سنوات محدودة، حينما صدر قرار من النائب الأول للرئيس “علي عثمان محمد طه” بمجانية علاج مرضى الفشل الكلوي، فالعدد الآن بلغ عشرة آلاف مريض.. وهو عدد فوق طاقة المستشفيات الحكومية المحدودة ولا تفي المالية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة بسداد تكاليف العلاج باهظة الثمن، والمرضى متمسكون بمجانية العلاج، في الوقت الذي فيه للمالية أولويات عديدة.. حرب في الجنوب الجديد تجعل الأولوية القصوى لتمويلها، وفصل أول لآلاف الموظفين في الدولة لا يحتمل التأخير.. وقد تبدى عجز الدولة عن الوفاء بالتزامها نحو مرضى الكلى والمستشفيات تلجأ للاستدانة من الصيدليات والأسواق والمعارف.. وجمعية أصدقاء مرضى الكلى التي يقودها الإنسان “محمد مالك”، رجل الأعمال، لا تملك المال الذي يجعلها تنوب عن الدولة، رغم ما تبذله من جهد وما تصرفه من مال على مرضى من حقهم علينا أن ينالوا العلاج..
{ والخطر الحقيقي الذي يواجه مرضى الكلى في السودان أن ماكينات الغسيل في المستشفيات تعمل لـ (24) ساعة دون توقف، ولا يزال هناك في ولاية الخرطوم وحدها نحو (500) مريض يبحثون عن فرص غسيل ولا يجدونها.. يتوسلون للأطباء.. والأطباء في حيرة من أمرهم في كيف يواجهون واقعاً ليس بيدهم تغييره.. وهيئة المواصفات (متخندقة) خلف قرار يحظر دخول أية ماكينات غسيل مستعملة للسودان.. ومنطق المواصفات أن الماكينات المستعملة ربما تتسرب من خلالها للبلاد أمراض أخرى كالتهاب الكبد الوبائي أو الإيدز وغيرها من الأمراض.. مع أن ماكينات الغسيل تعقم نفسها بنفسها ويمكن إخضاعها لعمليات تعقيم تجعلها صالحة للاستخدام.. والآن في ميناء بورتسودان (ترقد) (4) ماكينات غسيل مقدمة هدية من السويد للسودان، ولكن قرار المواصفات يحول دون دخولها! والحاجة لهذه الماكينات كبيرة، وخير شاهد أن أكثر من (500) مريض بولاية الخرطوم يبحثون عن مراكز للغسيل ولا يجدونها..
{ وثالثة الأثافي أو رابعتها، تتمثل في انقضاء العمر الافتراضي لـ (90%) من ماكينات غسيل الكلى في السودان، ما يجعلها عرضة للأعطاب والتوقف أثناء عمليات الغسيل، وبالتالي تعريض حياة المرضى للخطر، والدولة عاجزة عن استيراد أجهزة حديثة، ولا تسمح للمستشفيات والمراكز الخاصة باستيراد ماكينات باهظة الكلفة تصل لـ (17) ألف يورو للماكينة الواحدة، فهل تعيد الحكومة النظر في قرار مجانية العلاج جزئياً حتى تتمكن من الوفاء باستحقاقات علاج المرضى؟!