الشاعر "حازم التميمي": القصيدة عندي تتصاعد درامياً مثل تصاعد الصراع على خشبة المسرح.
الشعر العربي انتهى بعد انقضاء عصر العمالقة
وأنا صغير، كنت أستمع للشعراء السودانيين مثل “الفيتوري”
زرت بيت الشعر بالخرطوم وشاهدت شباباً جميلاً وعلماء أفذاذ يجب أن تسلَّط عليهم الأضواء
حوار ـ نهلة مجذوب
الشاعر العراقي “حازم رشك التميمي” شاعر ملأ فضاءات الشعر العربي الحديث بشعره المجيد، قدم إلى السودان على شرف فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب في آخر دوراته وكان ضيف البلاد الأول في ليلة الشعر والشعراء التي أشعل فتيل حماستها. له من الإصدارات ديوانان هما: (ما رواه الهدهد) و(ناعية القصب) وديوانان مخطوطان (مدينة التراب والزبرجد) و(الأحرف المشبه بالمطر)، بجانب مسرحيتين مخطوطتين هما: (في كتاب الماء يا قمر الشريعة) و(هادى سجون) والكثير من الأشعار.
(المجهر) حرصت على إجراء مقابلة معه قبل مغادرته البلاد، فإلى ما فاض لنا به هذا الشاعر العميق:
{بداية عرفنا عنك؟
-ولدت في مدينة الناصرية في جنوب العراق وهي تشتهر بالأدباء والشعراء والمغنين إضافة لذلك تشتهر بالدواوين الأدبية ومجالس الطرب في ذلك العصر أثناء طفولتي، وهي مدينة ينصفها الفرات يجعلها نصفين يمر بينها كالسيف ويمر على جانبيه أشجار النخيل الكثيرة.
عشت هذه الطفولة بين أشجار النخيل وماء الفرات واللعب الشعبية، وأتذكر أن بيوتنا كانت من طين وقصب، وكان الأمطار تنزل علينا ونحن نائمون فننهض فجأة.
{لاشك أن هذه البيئة الباذخة ألهمتك مبكراً ما هو أول ما لفت انتباهك من الأدب؟
-نعم، أول ديوان كان أثناء دراستي الابتدائية وقعت عيني عليه هو ديوان “عنترة بن شداد” ومع الديوان قصة الشاعر نفسه، فانبهرت بهذه الشخصية شخصية الفارس الشاعر المحب العاشق الذي يواجه الصعوبات وجذبني كثيراً بسمرته .
بعد ذلك كان أخي الأكبر يكتب الشعر ويكتب الشعر العمودي دون دراسة لكنه مضبوط الوزن واللغة إلى أن استشهد في الحرب الإيرانية العراقية.
{ومتى بدأت الكتابة ؟
-بدأت أكتب أولى خربشاتي في مرحلة الثالثة متوسط، وعندما وصلت الرابع إعدادي أصبحت أكتب القصيدة العمودية مضبوطة لغة ووزناً. بعد ذلك احتضني أحد الأساتذة في مرحلة الإعدادية وكان له الفضل الكبير، ثم توجهت إلى دراسة اللغة العربية بكلية الآداب جامعة بغداد، في العام 1988م، وتخرجت فيها في العام 1991م ثم التحقت بماجستير اللغة العربية والآن أدرس دكتوراة في الجامعة اللبنانية في النحو القرآني الدلالي .
نشرت أول ديوان (ما رواه الهدهد) وديوان (ناعية القصب)، كما شاركت في الموسم الأول لمسابقة أمير الشعراء ووصلت للمرحلة النهائية ومعي الشاعرة السودانية “روضة الحاج” وكانت منافسة جميلة جداً .فأنا أكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة، وقمت بتمثيل الكثير من المسرحيات في مدينة الناصرية، أحد مؤسسي جماعة الناصرية للتمثيل، وأحد المؤسسين فيها لمسرح الدمى. وشاركت في مهرجانات وأمسيات كثيرة في الوطن العربي، وحقيقة أن التمثيل والمسرح ساعداني في مواجهة الجمهور وحسن أدائي في الإلقاء. كنت أمثل وأقرأ المسرح ترك هذا تأثيراً في القصيدة تجدين عندي القصيدة تتصاعد درامياً مثلما يتصاعد الصراع في المسرح.
{كيف هو الشعر العراقي الآن، وموقعه في خارطة الشعر العربي؟
-الشعر في العراق مثل الهواء يتنفس ومثل الحب ومثل الليل والنهار يتعاقبان سرمديان. والشعر في العراق متجدد دائماً ولا يقف ساكناً، والآن هناك حركة تجديدية في القصيدة العمودية، ومرات تسمى بقصيدة شعر ومرات بالقصيدة المنزاحة وهذه لها شعراؤها مثلما لها ملامح وصفات وسمات، هذه القصيدة تعتمد على التكتيف والتجديد الدلالي وعلى ابتكار التراكيب الجديدة، والكثير من شعراء الوطن العربي تأثر بهذه القصيدة، إذ أنها هي النسخ الذي يرفد القصيدة العمودية بالحياة، يعني لو لا هذا التجديد في القصيدة العمودية لما بقيت القصيدة العمودية مستهلكة بسكونيتها وتراكيب ممجوجة استهلاكية مباشرة مجَّتها الأسماع ونبذتها. وهذه قصيدة الشعر الوليد الشرعي لحركات التجديد.
{كيف تنظر لوضع المرأة في المحيط الثقافي ومساهماتها.. وماذا عما يسمى بأدب نسائي، قيد التكون، وأبرز ملامحه؟
-ما لا يعرفه الكثيرون إنني من أنصار المرأة وأقول لأن المرأة دون مجاملة يجب أن تتقدم على الرجل، ويجب أن تعطى فرصة في عملها وفيما تتقن، الآن يجب أن تعطى المرأة أولاً الحرية والقدرة على صنع القرار والقدرة على المواصلة والصنع والإبداع، عليها أن تنتزع حقها وتعرف ما هي حقوقها أولاً ولا تفرط فيها يكفي تفريط. من يكن الرجل لتهبه كل شيء وتفرط بحقها هي لها دور وهو له دور ويكاد دور المرأة يكون أعلى من دور الرجل . فالمرأة إذا وعت دورها ستحقق الكثير، وهناك كثير من النساء الفاعلات في الوطن العربي ثقافياً وسياسياً ولهن أصواتهن .
وأنا لا أؤمن أن هناك أدباً نسوياً وأدباً ذكورياً، ولا أقتنع بهذا التصنيف والأدلة واضحة فمنذ العصر الجاهلي إلى اليوم هناك نساء شاعرات تفوق الرجل شعرية، ولكن المشكلة الحقيقة أن هناك مقولات جاهزة في الأدب العربي تبناها الجميع وكأنها أشياء متوارثة عن أن الأدب النسوي ضعيف ومتقهقر، وأن الأدب النسوي لا يستحق أن يأخذ دوره وهذه مقولات في كل عصر موجودة واحد يأخذها عن الآخر، الخلف عن السلف، لا أحد ينبش بهذا الأدب ولا أحد يرى أشعار المرأة اليوم، مثلاً دعونا ندرس الشعر النسوي السوداني أو العراقي أو المغربي وملاحمه أين نضعها في خارطة الشعر حتى نعرف بما به ونقرر . علينا أن ندرس حتى نقول كلمة الحق.
{هل تعتقد أن نقاد الشعر وصلوا إلى العمق، وهل خضعت تجربتك للدراسة النقدية؟
-مشكلة الأدب عموماً خاصة الشعر يشكو من (الإخوانيات) الآن الناقد لم يصبح لديه مشروع نقدي، بل أصبح انتقائياً لديه مجموعة الأصدقاء الذين يكتبون الشعر فيكتب عنهم، أو يريد أن يتسلق على شاعر كبير يكتب عنه، أما لديه مشروع نقدي خالص يتبنى من خلاله الكشف عن مواهب وسمات شعرية وظواهر شعرية، في الشعرية العربية، لا أجد إطلاقاً هذا.
أنا أعتقد أنه كتبت عني بعض الأطروحات الجامعية لدرجة الماجستير، وأخذت نماذج من أشعاري لأطروحات الدكتوراة وهناك مطروحة ماجستير في الأردن “حازم التميمي” حياته وشعره كتب عنه.
{انطباعك عن السودان .. ومعرفتك بالشعر والشعراء السودانيين؟
-عندما تدخل إلى السودان يبهرك هذا البلد بكرمه وتواضعه حتى يكاد التراب يشعرك بهذا التواضع، الناس بسطاء مسالمون طيبون..لا ينظرون إلى الغريب على أنه غريب، وأحسست أنني بين أهلي علاقتي بالجميع أحبوني وأحببتهم، زرت بيت الشعر وشاهدت شباباً شاعراً جميلاً وأساتذة علماء أفذاذ يجب أن تسلط الأضواء عليهم مثل الدكتور “الصديق عمر الصديق” مدير معهد العلامة “عبد الله الطيب” للغة العربية بجامعة الخرطوم ومدير بيت الشعر بالسودان، فهو إنسان رائع جداً، وعالم فذ، أعجبني جداً وأبهرتني شخصيته وعلمه هذا الرجل حقيقة أتمنى أن يصل له هذا الكلام .
والسودان بلد له عمق حضاري كبير وله حاضر يجب أن ينهض به حتى يكون مستقبله مشرقاً.
كنت أستمع للشعراء السودانيين وأنا صغير، مثل “محمد الفيتوري” وحينما كبرت وصرت شاعراً استحقيت هذه الكلمة استمعت إلى “روضة الحاج” وهنا بالسودان استمعت إلى شباب بارعين .
أتمنى أن أزور هذا البلد كثيراً وأن ينهض إنسانه ويلقى ما يستحق وأن يهبه الآخرون حقه مثلما هو يهب الآخرين حقهم، شكراً جزيلاً.