أخبار

الحل عند القيادة

الأزمة التي تشهدها العلاقات السودانية المصرية ليست وليدة اليوم!! أيام وشهور عديدة وتحت الرماد وميض نار.. ليست القضية في “حلايب” التي فرضت مصر الأمر الواقع عليها، وتمت (مصرنتها) ولا تشكل قضايا النزاعات الحدودية سبباً لتوترات ترقى حد مضايقة المواطنين واستهدافهم في الشوارع من قبل الأمن المصري.. هناك مسكوت عنه في القاهرة والخرطوم، وهو (أس) القضية.. وعندما أجاب الرئيس على سؤال الأستاذ “محمد لطيف” القريب جداً من دوائر صناعة القرار في الدولة، عن “حلايب” ومآلات الأوضاع فيها.. كشف الرئيس معلومة هامة جداً تتعلق بأزمة (المعدنين) السودانيين والصيادين المصريين، وكلاهما تم وضعهما في السجون والمعتقلات ولكن  حسب الرئيس (مبادرة) سعودية هي التي أنقذت . هؤلاء المواطنين،  وجسدت العلاقة بين القاهرة والخرطوم لإغلاق ذلك الملف.. وبما يشبه الإيحاء، من بعيد أبدى الرئيس أمله في أن تعاود الرياض دورها في التوسط بين البلدين لتجاوز قضية حلايب السودانية، وتلك الإشارة كافية من الرئيس لتحديد موضع جرح ينزف في العلاقة بين البلدين الشقيقين.. ولكن ما هي أسباب ودواعي التوتر الصامت بين الخرطوم والقاهرة؟ هل هو موقف السودان من سد النهضة الذي لم يرضِ القاهرة؟ أم هناك أسباب أخرى؟ ومنذ أن بدأت السلطات المصرية (التضييق) على السودانيين في مصر، آثرت الحكومة المصرية الصمت الشديد، ولم تصدر أية ردود أفعال رسمية لتفسير ما يحدث في الشارع المصري، مما يشير إلى احتمالين إما أن تكون هناك أسباب تقدر القاهرة أن الإفصاح عنها ربما يؤدي لتعقيد الأزمة الحالية.. أو أن مصر قررت المضي شوطاً بعيداً في سياسات داخلية لتجفيف الوجود السوداني الكثيف في مصر، وهو وجود تاريخي يتجاوز المائة عام.. لأسباب ثقافية وتجارية وجغرافية.
مشكلة السودانيين أنهم (مقلدون) في تجارتهم وحركتهم وسكونهم ولا يعرفون فقه البدائل والخيارات.. أغلب السودانيين يتلقون العلاج في مصر أو بريطانيا لأسباب ثقافية ونفسية، مع أن هناك خيارات أفضل من القاهرة حيث تمثل الأردن واحدة من تلك الخيارات والسعودية في المرتبة الثانية.. ولا يعتبر الطب في انجلترا وألمانيا الأكثر تطوراً في أوروبا.. هناك دول مثل أسبانيا تعتبر مركزاً علاجياً عالمياً لأمراض السرطان.. وروسيا لعلاج العظام والهند للباطنية فلماذا يذهب السودانيون لمصر وحدها؟ ولماذا لا يصبح (الدولار السوداني العلاجي) نفسه سلاحاً دبلوماسياً بيد خارجيتنا.. والقاهرة التي تسيء للسودانيين اليوم، يستقبل مطارها القديم يومياً خمس رحلات من الخرطوم للقاهرة بواقع (150) راكباً لكل رحلة،  ليبلغ عدد السودانيين الذين يسافرون إلى مصر في اليوم الواحد (450) سودانياً. إذا كان أي من هؤلاء يحمل فقط (200) دولار فإن الخزانة المصرية يتنزل عليها يومياً (150) ألف دولار في اليوم،  ما يعادل (4) ملايين وخمسمائة ألف دولار في الشهر.. بحساب الحد الأدنى.. مضاف لذلك ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا المبلغ في حالات العلاج.. فلماذا لا يتجه السودان لخيارات بديلة، وأقربها خيار الأردن للمرضى، وإثيوبيا السياحة، والسعودية التسوق!!
ولكن السودانيين (مقلدين) العربات يحبون التايوتا.. والاكسند والسانتا في الكورية والهواتف الجلكسي.. والسامسونغ، ويشربون البيبسي ويأكلون أم فتفت.. ويشاهدون قناة الجزيرة ويشجعون برشلونة والأرسنال ويحبون المنتخب البرازيلي أكثر من صقور الجديان .. ويحبذون المحترفين من نيجيريا.. لذلك ارتباطهم بمصر وثيق وحميم.. وهناك طبقة من السياسيين لا يزالون يعتقدون أن مصر بيدها مفاتيح القارة الأفريقية والقارة الأوروبية العجوز وهؤلاء لا ينظرون لمتغيرات الواقع الإقليمي والدولي.. ومصر التي تتحرش بالسودانيين في الشوارع تعلم جيداً أن الخرطوم بيدها أيضاً تنفيذ سياسات تلحق بمصر الكثير من الأذى والضرر البالغ، ولكن من المستفيد من هذه الأزمات؟! وتبقى إرادة الرئيسين “البشير” و”السيسي” هي الأداة الفاعلة لكبح جماح الانحدار إلى أسفل بسرعة شديدة لعلاقات البلدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية