(المجهر) تجتر الذكريات في زيارة خاصة لمنزل الفنان "الكاشف"
في ذكرى رحيله الـ(47)
أسرته تحكي تفاصيل جديدة عن البدايات وأسباب قطيعته مع الإذاعة حتى وفاته
حمد النيل الكاشف: كان يحفظ الأغنيات ويلحنها ويحفظ الموسيقى رغم عدم تعلمه
جده حذره من الغناء وطلب منه تعلم صنعة و”المساح” قال عنه (أهو دا الصوت البفتش ليو)..
ود مدني ود أزرق – زهر حسين
من ود مدني المدينة الثقافية والفنية الثانية في السودان، والتي رفدت الحياة الثقافية بالكثير في مختلف المناحي، وفي حي ود أزرق ومن بين الحواري والبيوت خرج صوت شجي لا يملك أن يتحدث عنه إلا أهله بالرغم من أنه لا يملك نفسه ولا حتى أهله يملكونه، فقد أصبح ملكاً للسودان أجمع، كانوا صبية صغاراً ربتهم الحيشان الكبار وليست اللمة التي ربت جنى المحتاج على الرغم من احتياج السودان لهم، فقد صنعوا تاريخنا السياسي والفكري والاجتماعي والفني والأدبي، صنعوه فصاروا أسماءً في حياتنا، تلك هي البيئة التي عاش فيها فنان عملاق بقامة الوطن وعزة ترابه، فقد نشأ في الفريق الذي ضمه هو و”المساح وسرور وجعفر نميري ومأمون بحيري” وغيرهم كثر ممن أسهموا في تاريخ بلادي، فحق علينا أن نقدم عيدية جميلة لأهله ومحبيه، فقمنا بزيارة منزل الفنان الراحل الخالد دوماً بفنه وحسه، الفنان “إبراهيم الكاشف” وقابلنا عميد الأسرة عمنا “حمد النيل يوسف الكاشف” الخواجة السوداني في مواعيده.
فبكرم سوداني أصيل بوجود أبناء وبنات وأحفاد “الكاشف” في ذكرى رحيله بدأنا بالحديث ذي الشجون والحلاوة.
نشأة وطفولة “الكاشف”
بدأ عمنا “حمد النيل” حديثه عن نشأة وطفولة وأسرة الفنان “إبراهيم” فقال: الاسم الأصلي للفنان “الكاشف”، “إبراهيم أحمد أبوجبل”، والده “أحمد أبوجبل” وأسرته لأبيه من أصول مصرية، وعائلة “أبوجبل” كانت تسكن بالقسم الأول جوار مركز شرطة الأوسط، تزوج والده من الحاجة “حسنى علي الكاشف” وأسرة “الكاشف” من أصول تركية، توفي والده وهو جنين في بطن أمه وعمره ثلاثة شهور، انتقلت والدته لتعيش مع أسرتها بعد وفاة والده لقضاء فترة الحبس، ولد “إبراهيم الكاشف” في (أغسطس) من العام 1916 في بيت “علي الكاشف” الكبير والبيت كان عبارة عن كرنك وقطية كما هي البيوت في ذاك الزمن.
بعد أن كبر الصبي بقليل ووصل عمره (3-4) سنة في منزل “علي كاشف” تمرد على المدرسة والخلوة والتعليم وكان والدي “يوسف الكاشف” أكبر أبناء “علي الكاشف” شاعر دوبيت والقائم بأعمال الأسرة، فأصبح “الكاشف” الصغير يذهب معه للحواشات التي كانت أمام حي المزاد، فأصبح يتعلم شعر الدوبيت من والدي وبقية المزارعين في الغيط عند استراحة المزارعين بعد قضاء ساعات طوال من العمل، وعندما بلغ من العمر (9-10) سنوات كان “الكاشف” يذهب للحفلات وبيوت الأفراح “بالدس” في الحي، فقد كان شغوفاً بأغاني الحقيبة على الرغم من أن جده كان يفرض على البيت صرامة شديدة ويتفقد أبناءه ليلاً ومع الآذان الأول، فقد قال جده “علي الكاشف”: (أنا سمعت الولد ده قالوا داير الغناء والكلام الفارغ ده أنا دايرو اتعلم ليو صنعة يساعد بيها أمه لأنه يتيم)، وفي ذلك الزمان كان الفنانون يوصفون بالصايعين، فقال جده: (أنا ما داير الولد دا يطلع لي صايع)، فوجد “الكاشف” صنوفاً من التعذيب والضغط والمراقبة فعانى معاناة شديدة.
}لقاؤه بـ”المساح” ورحلة المشاوير الطروبة
استطرد عمنا “حمد النيل” قائلاً: لما اشتد عود “الكاشف” وتعدى عمر التاسعة عشرة سنوات، ازداد ولهه بالفن وشغفه به وحبه له÷، بدأ يغني أغاني الحقيبة وعمره اثنتا عشرة إلى ثلاث عشرة سنوات وإلى أن ناهز عمره الثامنة عشرة، فقد أصبح مصراً على الفن وزاد إصراره أكثر باتخاذه أغاني الحقيبة أساساً لمسيرته ودربه الطويل مع الفن الذي انتهى بنهاية حياته.
في تلك الأثناء كان الشاعر “علي المساح” يطوف على كل البيوت التي بها أعراس وأفراح لكي يستمع للفنانين فيحصل على الذين تميزوا منهم بالصوت الحلو العذب، ومما يحكى أن أحد الفنانين وجده “المساح” يغني في واحدة من الأغنيات، فما كان منه إلا أن أخذ عمته وخنقه بها، وقال له: مفروض الواحد منكم لو ما عرف الغناء وفهم الكلمات تقصد شنو ما يغنيه، فكان الفنان قد غنى (الحال العلي يا ريتو لو كان حالك)، فقال له “المساح” أصلها (الحال العلي يا ريتو لو يوحالك)، ومن ضمن لفات “المساح” على بيوت الأفراح سمع “الكاشف” في بيت رقيص أو حفلة غناء يغني أغاني “كرومة” و”سرور”، فقال “المساح” لأصحابه: (أهو دا الصوت البفتش ليو) ، وبعدها قال لـ”الكاشف” (أنا سمعت صوتك وعجبني وحأديك أغنية عشان تلحنا وتتغنى بيها)، كان ذلك في العام 1938 فكان اسم الأغنية (ظبي الخدري الما شاف غفار منو العسجد عار الصفار)، ودخل معه في عدد من الأغاني وصل عددها ثماني أغنيات، منها (ظبي الخدري- انت بدر السما في صفاك – الشاغلين فؤادي – نغيم فاهك يا أم زين دواي – البهجة هل هلالك – ظمآن ما بترويني الموية) في العام 1939.
}إبداعه وبراعته في مهنة النجارة
بعد توجيه جده له بأن يتعلم صنعة يدخرها للزمن، فقد تعلم مهنة النجارة وأبدع فيها وعمره لم يتجاوز
الاثنين وعشرين عاماً، وعمل مع عدة نجارين في ورشة “التربي” وورشة “تاتاي” وأبدع في الصنعة، وفي (سبتمبر) من العام 1939، ذاع راديو أم درمان أن قاعدة أمريكية اسمها قاعدة وادي سيدنا تطلب نجارين بيومية قدرها (25) قرشاً، والمعلوم أن يومية النجار وقتها ثمانية قروش، وكان هذا إغراءً من القاعدة لكي يتقاطر عليها النجارون، وفعلاً وصل النجارون من الأبيض – سنار وودمدني، فـ”الكاشف” ذهب للعاصمة ليس كفنان، بل كنجار فعمل ورشة النجارة في أم درمان وسماها (ورشة الموبيليا الحديثة لإبراهيم الكاشف)، وهي تقع مع شريط الطرمباي قرب سينما “برمبل” والمعرض في جامع “فاروق” في الخرطوم.
وأثناء حديثنا عن إبداع “الكاشف” في مهنة النجارة دخل علينا ابن أخته “عبدالمنعم أبو الأقوان”، فأضاف بعد أن امتنع “الكاشف” عن الدخول في المدرسة ألحق بعدد من ورش النجارة كتلميذ هو وابن خالته “حيدر”، فقد كانا في عمر واحد في ورشة “التربي” الذي فرض عليهما صرامة في العمل، وبعد أن تمكن وتعلم وحذق المهنة، ألحقوهما بمصلحة الأشغال بودمدني كعمال.
}”الكاشف” و”سرور”
يضيف “أبو الأقوان”: كان “الكاشف” بعد تعلمه للدوبيت قد استمع لعدد من الفنانين “سرور، إبراهيم عبد الجليل
وكرومة”، وفي ودمدني كان “الكاشف” “شيال” مع الفنان “عوض الجاك” والفنان “محمد سليمان الشبلي” ولم يستمر ككورس للغناء كثيراً، وقال “أبو الأقوان” أما قصته مع سرور فقد كانت لـ”سرور” حفلة في حي ود أزرق وكان “الكاشف” يستمع للحفلة بالحيطة وكان رجال الحي يعرفون أن “إبراهيم الكاشف” كان يغني بـ”الدس”، فنادوا “الكاشف” وقدموه لـ”سرور” فغنى له أغنيتين مما تغنى بها “سرور” في تلك الحفلة، فمسك “سرور” بيد “الكاشف” ووضع الثانية على رأسه، وقال له: (انت ح تكون خليفتي في الغنا)، لذلك أخذ الكاشف من مدرسة “سرور” على طول.
}من هنا جاءت العبقرية
يقول “حمد النيل”: تمثلت عبقرية “الكاشف” في عدد من الأشياء: أولاً لم يقرأ أو يكتب بعد رفضه دخول المدرسة رغم ذلك أصبح يحفظ الشعر سواء باللغة العربية أو الفصحى ولم تكن هناك أجهزة تسجيل، فإذا رجعت لأغنية (وداعاً روضتي الغنا وداعاً معبدي القدسي)، فقد غناها بدون أخطاء وكان يحفظ الأغنيات في الدماغ ويلحنها ويحفظ الموسيقى في رأسه مع العلم بأن “الكاشف” لم يعزف أي آلة موسيقية في حياته، وأذكر أنني كنت أسجل
في إحدى القنوات بالعاصمة، فإذا بالمذيعة تسألني سؤالاً غريباً: “الكاشف” ما قرأ وما كتب بحفظ الأغاني سواء عربية أو دارجة طيب كيف؟.. كان “الكاشف” يوصل للأوركسترا اللحن؟.. فقلت للمذيعة أنا حضرت موقفاً رداً على سؤالك، وجدت “الكاشف” ومعه الأوركسترا في البيت كان يلحن أغنية (انت عارف أنا بحبك وبحلف بك ولا ماك عارف بالمرة)، فقد كان يعمل لهم الموسيقى بأصوات من فمه مثلاً (لا لا لا) فقد كان “بدر التهامي” الموسيقار المعروف، والشاعر “عبيد عبد الرحمن” موجودين مع “الكاشف” في بيت الموردة، وقد كان “بدر” يسكن في نفس الشارع في الموردة وكان يأتي الصباح فيشرب الشاي والقهوة مع حاجة “حسنى” فيبدأ باللحن لـ”بدر” وبيباريو بالكمنجة، وبعدها ينقله للفرقة، كذلك لم يتغنى “الكاشف” بأغنية إلا وقام بمعرفة معاني كلماتها وماذا تقصد ويسأل شاعرها عن ماذا تعني، فقد كان يقوم بتصحيح مخارج الحروف ويذهب للبروفيسور “عبدالله الطيّب” لكي يصحح له الأغنيات والمخارج، فيقول فيه “عبد الله الطيّب” إذا كانت عجائب الدنيا سبع، فـ”الكاشف” يمثل إحداها فجاءت العبقرية من هنا.
}دخوله الإذاعة
في سبتمبر في العام 1939 نشبت الحرب العالمية الثانية فعمل الإنجليز محطة إذاعية لكي تذيع أخبار بريطانيا والحلفاء والدول المتعاونة معها، فكانت الإذاعة تذيع نصف ساعة في الصباح ونصف ساعة في المساء ومقرها في أم درمان، ولم تكن الراديوهات منتشرة ومتوفرة لكي يتم سماعها، وفي ودمدني لم تكن إلا في محلات معينة: النادي الأهلي – نادي النيل – نادي الاتحاد- حديقة جورج كعكاتي – حلواني السكة حديد (خريستو) وهي من ماركة فيلبس ذات حجم كبير، وبعد أن ذاع راديو أم درمان أن قاعدة وادي سيدنا الأمريكية كما أسلفت آنفاً في الذكر تطلب نجارين بيومية قدرها (25) قرشاً، والمعلوم أن يومية النجار (8) قروش وكان عبارة عن إغراء من القاعدة عشان اجوها، فوصل النجارون من الأبيض ومدني وسنار و”الكاشف” ذهب للعاصمة ليس كفنان، بل نجار، ولحسن الحظ ولأن الفن مربوط بذاكرته التقى بالشاعر “عبيد عبد الرحمن” وهو من أبناء مدني، وبدوره قدمه لصديقه “سيد عبد العزيز” وقال له: (أنا جبت ليك تحفة اسمع الصوت دا)، واحتضنه كل من “سيد” و”عبيد” وقدماه للإذاعة فأصبح بالإذاعة ثلاثة فنانين “حسن عطية” و”الكاشف” و”أحمد المصطفى” والفنان لم يغنِ في الإذاعة وأجي طالع أناولو واحد جنيه كأجر للأغنية، وقد سجل للإذاعة حوالي (450) أغنية للشاعر “المساح”، وفيما أظن سنة 1960 شب حريق في الإذاعة التهم كمية كبيرة من أغاني “الكاشف” بنسبة (85%) ولم يتبقَ منها إلا نسبة “15%” فقط.
}مقاطعته للتلفزيون
أوضح عمنا “حمد النيل” أن هناك مقاطعة بين “الكاشف” والتلفزيون وكان هناك زعل بينه وبين التلفزيون، لأن الأخير وقتها سجل لجميع الفنانين عدا “الكاشف”، وعلى ما أذكر أن أحد المذيعين العاملين بالتلفزيون سأل “الكاشف” قال له: انت ما حنيت على التلفزيون ما تجي تسجل لينا حاجة.. رد عليه: (لما أشتري القرعة واجي أقول كرامة بسجل ليكم أغاني، انتو دي الوقت سجلوا لي ناسكم العايزنهم وبعد تنتهوا أنا بجيب قرعتي وبجي)، وهذه من الحقائق، فقد كانت خسارة كبيرة على الشعب السوداني، فلو وجد مجالاً في التلفزيون لأثرى الساحة وملأها بفيضه الفني إلا أنه لم يسجل إلا (15-20) أغنية فقط، وأغلب الأغنيات التي حصل عليها التلفزيون السوداني من التلفزيون المصري، وسجل في القاهرة أكثر من (500) أغنية، ومما حكاه عمنا “حمدالنيل” أنه لم امرض الفنان “الكاشف” ورقد في إحدى المستشفيات وكنت معه أنا ووالدته الحاجة “حسنى” قام التلفزيون بزيارته، فبدأ المصورون بالتصوير فقال لهم “الكاشف”: أوقفوا التصوير ما جيتوني شديد تجوني هسه، فقمت بتدارك الموقف، فقلت لـ”الكاشف” نقعدك نص كده وتلبس قميص وكرافتة وتتصور من النص بصدرك فما فوق عشان يطمئن جمهورك عليك وبالفعل حدث ذلك.
}من ودمدني لأم درمان
أسترسل “حمد النيل” قائلاً إن “الكاشف” وجد رواجاً في إقامة الحفلات في الأماكن العامة، وكانت بتتعمل ليها دعاية كبيرة، وأذكر من الأماكن التي أقام فيها “الكاشف” عدداً من الحفلات المقرن – سان جيمس -القراند أوتيل – المريديان هول – خباز – كوبا كوبان –الشرق، لأن السودان كان عبارة عن أوروبا والذي يقوم بالدعاية له “صلاح رمضان”.
}أغنيات مختارة وعدد من الشعراء
تغنى “الكاشف” لعدد من الشعراء، منهم “المساح- عبيد عبد الرحمن – سيد عبد العزيز – خالد أبو الروس – السر أحمد قدور – حسين عثمان منصور – والمذيع طه حمدتو- صادق عبدالله عبد الماجد – والمحامي عثمان وني – إسماعيل حسن وإسماعيل خورشيد” وغيرهم.
ومن الأغاني “وداعاً روضتي الغنا -الليلة لاقيتو – رسائل -الزيارة – داخل روضة غنا – رحلة في طيارة – المقرن في الصباح – صابحني دايماً مبتسم – يوم المهرجان – أرض الخير (أنا أفريقي أنا سوداني ) – عيوني وعيونك – توبة يا أنا – عودتني غيابك- العيون – أذاك يا عيوني – يا صغير – في الشاطئ طاب بينا السمر – الحفلة في شمبات-انت عارف أنا بحبك- الربيع- أشواك الورد-الفؤاد المسلوب (سالب فؤادي) – ليه نسيتنا يا ناسي – يا ناسيني ولا سائل عني – آمالي في حياتي – تعود الليالي – غصباً عنك – يا نعيمي ويا هنايا- بطير بي فوق – أنا السودان – أسمر جميل – الشاغلين فؤادي- الشوق والريد – الرسالة – الصباح الجديد- الشال منام عيني وغيرها من الأغاني.
}زواجه وأسرته الصغيرة
تزوج من بنت عمه “عزيزة سيد أبوجبل” وعمره (22) سنة، وأنجب منها بنتين وولداً: “محاسن وآمال وأحمد”، وزواجه الثاني بعد ما استوطن العاصمة وعمره (32)، تزوج من “روضة عبدالله” وسكنها الخرطوم ثلاثة ولم ينجب منها أولاداً، وتزوج من الثالثة في مصر – القاهرة وكان عمره قد قارب الأربعين وهي “نوال محمد سيد” وأنجب منها بنتاً وولدين “إلهام، وليد ووحيد”.
{وداعاً روضتي الغنا… وداعاً معبدي القدسي
تملك المرض فناننا الكبير العبقري وأنهكه وعمل على تدهور صحته واعتلالها حتى أفقده أحد أطرافه، وأفقدنا اسماً ورمزاً وعلماً من أعلام بلادي، فقال “حمد النيل”: “الكاشف كنت معه في الخرطوم بعد داك رجعت لمدني وكالعادة فقد كنت أحمل معي البضائع وأوزعها على المحلات بمدني، وكنت ناوي أرجع بكرة، وفي تلك الأثناء تم قطع الإذاعة وأذاعوا خبر وفاته وقدموه (بنبأ مفجع رحيل الفنان إبراهيم الكاشف)، عندما سمعت بالخبر قررت أرجع لأم درمان وكنت امتلك عربة حمراء كبيرة وقلت أجيب فيها الجنازة لودمدني، فقال لي كل من “عبيد عبد الرحمن” و”سيد عبد العزيز”: أصلاً ما بتشيلوا الكاشف دا ما حقكم براكم دا حق السودان كله، وفي ذلك الوقت كان الرئيس “جعفر نميري” مسافراً في القاهرة لكن حضر أعضاء مجلس قيادة الثورة، منهم “هاشم العطا وأبو القاسم هاشم” وأقنعوني بأن يدفن بمقابر “أحمد شرفي” وكان هناك عشرات الآلاف من البشر لدرجة أنك ما بتقدر تفرق منو في ومنو ماف، وفي تلك الأثناء سمعت صوتاً من بعيد يغني ويبكي بصوت عالٍ دون مايكرفون وهو صديقه “صديق الكحلاوي” ويقول وداعاً روضتي الغنا وداعاً معبدي القدسي، ويردد طويت الماضي في قلبي وعشت على صدى الذكرى، فبكى الناس بكاءً شديداً وكانت وفاته في العام 1969 وقد رحل عنا ولكنه بقي ودام فينا بفنه وأسرته وأحفاده وسيبقى فينا ما حيينا.