سرونق
قد يبدو عنوان المقال غريباً بعض الشيء، في وقت بات كل شيء غريباً، وسرونق هي منطقة تقع على ارتفاع اثنين ألف متر فوق سطح الأرض بجبل مرة كانت المقر العسكري لحركة تحرير السودان، منها انطلقت كل العمليات العسكرية لحركة “عبد الواحد محمد نور”، ونسبة لموقعها الحصين في قمة الجبل وتحيط بها قمم شاهقة مثل جبل تربيزه وجبل كملتي الصخرية التي تمثل أكثر المناطق حصناً وقد أصبح “عبد الواحد” يباهي بأن الجيش الصيني الذي يصعد لجبال الهملايا أعلى القمم الجبلية على سطح الأرض، لم يتمكن من الصعود إلى قاعدة سرونق التي استطاعت مليشيات “عبد الواحد” السيطرة على مناطق بردانه وقولو حيث الإنتاج الغزير المانجو والتفاح والبرتقال والليمون، والمنطقة تمثل واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في السودان ودارفور.
ولكن التمرد فرض عليها العزلة والحصار لمدة ثلاثة عشر عاماً خسرت فيها البلاد الكثير من مواردها الاقتصادية وظل جبل مرة عصياً على الحكومة الاقتراب من تلك المنطقة حتى الصيف الماضي حينما خططت لعمليات تحرير جبل مرة من التمرد والقضاء عليه وعودة سلطان الدولة، واستطاعت القوات المسلحة أن تكسر شوكة التمرد، فإذا كانت عملية قوز دنقو بمثابة القضاء على حركة العدل والمساواة، فإن عملية سرونق هي المعركة الأخيرة لحركة “عبد الواحد محمد نور” حيث نفذت القوات المسلحة بكل تشكيلاتها خطة عسكرية باغتت التمرد وهو داخل خنادقه ليلاً وقضت على المناطق الإستراتيجية التي كانت تحتلها، نعم خسرت القوات المسلحة في تلك العمليات أحد قادة حرس الحدود العقيد “إبراهيم الشريف” الذي يمثل بطلاً قومياً يستحق أن نطلق اسمه على إحدى المؤسسات القومية في وطننا ولكن ثمرة تلك التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة والشرطة وقوات الدعم السريع أثمرت اليوم حالة الاستقرار في منطقة جبل مرة وخاصة سرونق التي بسطت القوات المسلحة سيطرتها عليها لتعيد الحياة إليها بعودة المدارس، وأخذت الآلاف من الأسر التي كانت في معسكرات النازحين بالعودة إلى قراهم بعد أن أدرك الكثيرون أن التمرد قد انتهى الآن وأن القوات المسلحة التي ترابط في كل جبل ووادي وجبل وخور وقرية وهي تسهر الليل من أجل حماية المنطقة وقد تحدث للوفد الصحافي الذي زار المنطقة طوال الأيام الماضية مواطنون كثر عن رغبة الأغلبية في تنمية المنطقة من خلال مشروع الإعمار القومي لجبل مرة الذي يقوده النائب “حسبو محمد عبدالرحمن” وقد بدأت فعلياً عمليات الإسعاف الطارئ بتوفير احتياجات المواطنين والمقيمين في المنطقة ولكن إعمار جبل مرة الحقيقي يبدأ بالطرق القومية التي تحتاج إمكانات كبيرة وخطة قومية بإمكانات مركزية وليست إمكانات ولاية وسط دارفور وحدها، لأن جبل مرة يمثل أهمية قصوى لكل الإقليم الذي بدأ في التعافي من مرض استمر لأكثر من ثلاثة عشر عاماً من الزمان، والآن انتهت مرحلة التحرير وبدأت مرحلة التعمير وهي مرحلة لها مطلوباتها الخاصة، وكان لوجود الإعلام القومي ممثلاً في الصحافة خلال اليومين الماضيين، أثره في نقل وقائع مرحلة جديدة تمر بها دارفور الآن مرحلة تتطلب قدراً من التفاعل القومي مع قضية مهمة جداً.