عزف سوداني بأوتار عراقية
{ إنه السودان..
ملحمة من العاج..
المُحنّى بالكرامات
المقدس في أساطير الحضور
ضراعة الوتر الشرود
إلى الغياب
وشهقة الغابات..
في ليل التوحد
وانصهار الحلم بالأشياء
في أبدية كريستال
أو أزلية الأقدار
يا أيها السودان
يا قمراً من الفيروز
والمانجا..
وأغنية من الوزن السداسي
الذي مثل البكاء
يُنث
في دمع القطارات القديمة
والهوادج
والمراكب..
والنداء
إذا يهل من المآذن
والكنائس
والمعابد
والقباب
وينثني ما بين أم درمان
أو بحري
ويمشي في جلاليب التيمن
في رؤى الخرطوم
أدعية
وأشعاراً
وأذكاراً
وتسبيحاً طروباً..
يملأ السودان
من دار لدار..
وعلى لهيب النار..
يتدافع الصبيان
في ليل الكتاتيب..
التي وضعت على هاماتهم
إكليل غار
من حضرة الآيات..
يندغِمُون
كأنهم أوتار قيثار
يرشفون الهوى القدسي
يلتحفون
في ظل الكتاب..
سمومهم
فكأنهم نحل يسيَّح
أو مساكين غيارى
أو دراويش..
وزُهَّاد ..
يشدون القلوب بخيط ماس
يفرشون الأرض..
مثل بطانة الكتان
فوقهم التراب
عريشة أحلى من الأعناب
{ هذا العزف على مزهر زرياب في أرض السواد، ودجلة، يصفق للفرات بأكف سودانية وفي مقام دوبيت تَمدد في قوافيه النيل وكأن دجلة والفرات أذرعاً تشد ظهره ليعبر العتامير العنيدة .. هذا الهتاف الصوفي على إيقاع حبات مسبحة اللالوب توقعها أصابع شيخ تلثم الآيات فمه اصطباحاً وضحى وعند الزوال.. هذا الغناء صريح الصدق كتبه بل سكب روحه فيه الشاعر العراقي “أمجد محمد سعيد” وأمجد – وما أدراك ما أمجد – جاء للسودان ملحقاً ثقافياً بسفارة العراق بالخرطوم.. وظل به سنوات ثم تم نقله لبغداد.. ولكنه شرب ماء النيل وأكل طعام أهل السودان الذي أغناه عن طلب الطعام حتى وهو في لحظة الإفطار من صيام.. ثم هوى وأحب أماسي الشعر والمؤانسة الصوفية.. ونال الجنسية السودانية فكسب السودان شاعراً وإنساناً وحواراً يدور في حلقات المديح.. عطر أماسي السودان..
عرفته وأنا وزير للثقافة والإعلام، وعرفته وهو في الموصل مسقط رأسه، وعرفته وهو بالقاهرة لاجئاً، وعرفته ضيفاً على الخرطوم ومواطناً.
وحين أكتب عنه اليوم اقصد أن يتم التعريف الكامل بهذا الشاعر الذي أحب السودان وأهله .. وهو شاعر فصيح الحديث.. عميق الفكر وشلال من الضوء في حضرة المرمَر.
صدرت له عقدة دواوين: (نافذة للبرق).. (أرافق زهرة الأعماق).. (البلاد الأولى).. (الحصن الشرقي).. (جوار السور، فوق العشب).. (رقيم الفاو).. (عزف سوداني بأوتار عراقية)..وغيرها..
دعني أتركه يتحدث عن السودان وعن ليل الخرطوم.
{ الليل في الخرطوم
لا ليل يشابهه
كأن نسيمه
ملكوت كون ذائب في الحلم
والأشياء يأخذها..
ذهول وجودها..
بين الحقيقة والخيال
فقل بربك يا صديق
أمن فراديس التوهُّم
أم قراطيس الهيولي
أم حكايات القوافل
أم أساطير المراكب
كان هذا اللوح
يحضن أبجديات التشكل
في مصاهرة العناصر
للعناصر
واختراع الذات
في خفق البداية
(للأنا)
الواعي بدينا الذات..
{ ومن ديوانه: (سورة النيل) يقول..
كحل قبطي يحتل اللوحة
قافلة من عسل نيالا
تبدو في الأفق..
وعصفور إفريقي..
ينسى الوقت..
ويغفو فوق شراع نيلي..
يطفو فوق الأمواج..
وخناجر من عاج..
تلمع تحت شعاع القمر
الشذري الوهاج
فرسان في أقصى دارفور
يجيئون..
على أيديهم ثوب الكعبة
سلطان
يقبل فوق جواد أسمر
والغزلان البرية
تركض صوب المهدي
وعلي نار القرآن..
تضئ الأبراج..
{ شكراً صديقي “أمجد محمد سعيد”