أخبار

خربشات الجمعة

(1)
المليارات التي فاقت المائة وقيل في أبواق الإعلام إنها تبرعات انهالت على ليلة الولاية الشمالية بقاعة الصداقة، لو جمعت هذه المليارات وصدق المتبرعون لأصبحت الولاية الشمالية جنة السودان وأفريقيا، لأن الولاية التي يقل عدد سكانها عن الستمائة ألف نسمة تعاني من ظلم الطبيعة لها، حيث الصحراء تجعل السكان يتجمعون في الشريط النيلي الذي يمتد من مروي حتى وادي حلفا.. وحسناً فعل المهندس “علي العوض” وهو يحث أهل الشمالية المهاجرين داخلياً وخارجياً للمساهمة في بناء ولايتهم.. ولكن امرأة من ضواحي دنقلا صنعت ما عجز عنه رجال الشمال من أهل المال والسلطة.. ونعني الأميرة “وداد يعقوب” صاحبة شركات النحلة للبترول وهي تبني بمالها الخاص مركزاً اجتماعياً نسوياً بكلفة مليارية، ولم تباهي من خلال إعلانات في الصحف عن عطائها لأهلها مثلما يفعل كثير من السياسيين الذين يباهون بما صنعت أيدي الحكومة.. والشمالية التي كانت تعيش انقساماً في صفها الداخلي بين شمال الولاية وجنوبها بمجيء هذا “الشرقاوي” القادم من أرياف كسلا تلاشت وتبددت أوهام الصراع الجهوي، لكن تبقى حقائق الواقع أن الشمالية التي تحاصرها كثبان الرمال من كل جهة وتنزلت عليها السدود لتغير معالم تاريخها القديم، وتجعل منها منطقة إنتاج زراعي وصناعي.. ولكن التبرعات (الهوائية) التي يقدم بها البعض أنفسهم، ثم تبحث عنها حكومة الولاية ولن تجدها، بمثل هذه التبرعات لا تبنى الأوطان، ولا تنهض المشروعات الكبيرة بالمساهمات الصغيرة.
ومشروع نهضة شمال كردفان بزخمه الإعلامي وسنده السياسي المركزي لم يتجاوز حصاده بضعة مليارات من الجنيهات، بينما تجاوزت تبرعات ودعومات المركز لحكومة “هارون” المائة مليار جنيه.. والشمالية تتميز عن شمال كردفان بانتشار أبنائها داخلياً وخارجياً، وأبناء الشمالية بيدهم مفاتيح خزائن المال.. والثروات والقرار، ولكنهم متى ينظرون لمنطقتهم!! فهل تشهد الشمالية في ما تبقى من عمر حكومة المهندس “علي العوض” تنمية وإعماراً للدار؟!
(2)
قديماً كانت الأسواق ملتقى للتجارة وللتبادل الثقافي والفكري والمصالح وتلاقح الثقافات، وعرفت الجزيرة العربية أسواقاً لتجارة الإبل ومنتجات الأرض.. كانت القوافل تأتي لجزيرة العرب من أرض الرافدين ومن الشام.. وفي السودان كانت أسواق الإبل في تمبول ورفاعة وسنار قبل أن تقضي الزراعة ومشروع الجزيرة على الرعي، وقيل إن (همباتياً) قد أنذره الشيخ “التوم ود بانقا” بالإقلاع عن السرقة والنهب ويتجه لزراعة الأرض وفلاحة البساتين، أي أن يحمل (الملودة) ويحرث الأرض فرفض ذلك المبدأ، وقال:
ما دام أم قجة واردة وسادرة بالمسدار
شنو الجابرني على حش الملودة الحار
إبل اليعشي مريتو قبل الجار
نوديهن دورين غرب سنار
واشتهرت أم درمان بسوق العيش بالقرب من استاد الهلال والأبيض بأسواق “ود عكيفة” و”أبو جهل” الذي قاوم كل محاولات الأسلمة مثلما كان “أبو جهل” عنيداً في جاهليته وكفره، فإن سوق “أبو جهل” قاوم التغيير ولم يذعن لقرارات تتنزل من أعلى، حيث أطلق عليه سوق “أبي مسعود” وكثيراً ما يجهل العامة أسماء الصحابة حتى العشرة المبشرين بالجنة، لا شأن للعامة بهم.. ولو أطلق على سوق “أبو جهل”، “سوار الذهب” أو “حمدان أبو عنجة” أو “إسماعيل الولي” أو رموز الأبيض الحديثة من “حسن حامد مهدي” إلى “قمبور” و”أبو جيب” و”عثمان السيد” لحفظه الناس.. ومن الأسواق الشهيرة كذلك، سوق “حاجز القناوي” الذي يمثل واحداً من أكبر أسواق الإبل في السودان الآن.. و”حاجز القناوي” كان في قديم الزمان أرضاً وعرة تعيش على أطرافها النمور والأسود.. وأسسها “القناوي ود النمير” الذي ينحدر من قبيلة “بني حسن” العربية التي هي توأم لقبيلة “بني حسين”.. والعهدة على الرواة طبعاً، فإن “الحسن” و”الحسين” أجداد القبيلتين هما ابنا سيدنا “علي ابن أبي طالب” كرم الله وجهه وليس “الحسن” ابن “الميرغني” الكبير.. وكثيراً ما يرتبط السودانيون بحب الشجرة النبوية الشريفة ارتباطاً وثيقاً.. ويمثل سوق “الحاجز” في كل يوم جمعة ملتقى للمزارعين المنتجين والرعاة القادمين من الشمال الكردفاني والقادمين من ولايات دارفور.. وتباع في يوم الجمعة بسوق “الحاجز” نحو (2) ألف رأس من الإبل.. ونصفها من البقر.. وضعفها من الضأن والماعز.. وفي مواسم الحصاد يعدّ سوق “الحاجز” صومعة للغلال والفول والدخن.. ومنذ مساء الخميس تسرج الإبل والخيول والحمير في الزمان القديم من السنجكاية والدلنج، ومن هبيلا ووادي كجار الذي يعرف حديثاً بـ”خور أبو حبل”، لأن المواطنين يعبرون الخور في فصل الخريف بربط الحبل في جذع شجرة بضفة وربط طرفه بجذع شجرة بالضفة الثانية، ويستخدم الحبل لعبور الوادي الذي يجرف حتى الحجارة الصماء.. وقرى “الحاجز” المتناثرة في الشرق أم سعدة.. ومقو.. والفروخ.. وبلامات.. ومناطق أولاد غبوش في عرديبو والسيسبان والبقلتي دار دبل.. والبقلتي التبلدية.. ومن قرى كركجة وأم سعدة وخُمي التي أطلق عليها اسم المجاهدين.. وكجيرة.. ومن شمال الدبيبات يهرع المواطنون إلى سوق “الحاجز” في يوم جمعة من الأحمر.. وأنقلينا.. وحلة عبد المحمود والسليك والعامري والجميز وكركرة وجفاوة كنانة والبديرية، ومن الفينقر والدبيكاية حلة فضل، والميع كنانة والميع أولاد “عبد المنان”، ومناقو، وقليصة والسعاتة، ويجمع سوق “الحاجز” أشتاتاً من البشر يألفون بعضهم يمرحون ويمزحون.. وبـ”الحاجز” محكمة العمدة “حماد موسى أبوهم” الذي يعدّ من حكماء السودان في تسوية النزاعات والخلافات.. وقد قاوم العمدة “حماد” كل هجمات الحداثيين والتنفيذيين المتربصين بمحكمته، ولكنه كثيراً ما انتصر على هؤلاء.. ومن أشهر تجار سوق “الحاجز” الذين انتقلوا إلى الدار الآخرة واحداً بعد الآخر، كأنهم على حلف أن يمضوا من الدنيا معاً.. “حسن أبو شليخ” و”التوم حامد يحيى” و”الطالب حمداني” و”أبو القاسم بكر” و”علي حسن الأمين” و”الزين حسن” و”بابكر خال الزرقة”.. والآن من أشهر الشخصيات في سوق “الحاجز”.. “عمر سكر” التاجر الشهير و”صلاح القناوي” و”ود الشيخ” الذي (أبعدوه) من الميدان السياسي بالتعيين، وأصبح الآن أهم شخصية سياسية اجتماعية في “الحاجز”.. ويطيب شرب القهوة والشاي عند شجرة النيم الظليلة، ورقصة النقارة الشهيرة بـ(أمسح)، وبعد أن يتناول التجار ورواد السوق لحمة الإبل عند “سعيدة بت جبريل عبد الفضيل” أو “حواء أبوه”.. يجلسون تحت ظلال الأشجار الوارفة يتبادلون القصص والحكايات في فرح ومرح وسرور وصفاء، ولأن المجتمع هناك لا يعرف الخصومة ولا الصراعات يظل سوق “الحاجز” دوحة غناء.. ومجتمعاً نظيفاً.
(3)
بعد المحاضرة المعلوماتية التي قدمها المهندس “طارق حمزة” المدير العام لشركة (سوداتل) لعدد من الصحافيين والكُتّاب يوم الثلاثاء الماضي، خرجت والصديق “النور أحمد النور” لنذهب معاً حيث مقصده.. وكثيراً ما نتجاذب والصديق “النور” الحديث عن كل شيء، لكن في ذلك اليوم كانت درجة الحرارة قد تجاوزت الـ(45) درجة وأصوات مولدات الكهرباء تحت عمارات السوق العربي أحالت المناخ إلى شيء آخر.. فماذا يفعل السودانيون حينما يطل الشهر الكريم الأسبوع القادم؟ ودرجات الحرارة ترتفع إلى معدلات قياسية.. وشهر رمضان يطل في فصل الصيف، بدءاً من هذا العام ولمدة (5) سنوات قادمات.. ومن حسنات الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” قراره القاضي بتأجيل فتح المدارس الثانوية والأساس حتى يوليو القادم.. ذلك القرار الحكيم الذي شعر فيه الوالي بمعاناة المواطنين، خاصة الطلاب في شهر رمضان الذي إذا تحقق وعد الرئيس ونفذت وزارة الكهرباء مشروع رمضان بدون قطوعات فإن الكهرباء ستقاوم الصيف.. لكن هل كل المواطنين يملكون مكيفات هواء؟؟ ولماذا لا تقرر الدولة خفض ساعات العمل في رمضان إلى (50%) وتمنح نصف العاملين إجازة لأن العطاء أصلاً في رمضان ضعيف جداً؟؟ وكل رمضان والجميع بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية