التربال المهاجر "محمد خير البدوي" يصل بقطاره إلى آخر محطات العمر
ورحل عن دنيانا بعد أن أمضى أكثر من نصف عمره في غربة المنفي وعذابه كهدهد سليمان بين قوم لا يعرفون قدره
المجهر – عامر باشاب
صباح (الخميس) أمس الأول، وعبر جميع مواقع التواصل الاجتماعي، نعى الناعي الرمز الوطني والمؤرخ والخبير الإعلامي السوداني أستاذ الأجيال الهرم “محمد خير البدوي” الذي وافته المنية بالعاصمة البريطانية “لندن”.
والسيرة الذاتية لهذا الرمز الوطني تقول إنه من مواليد الولاية الشمالية (منطقة الرباطاب)، نشأ وترعرع في مدينة أم درمان، وهو أحد أبناء آخر دفعة تخرجت من “كلية غردون التذكارية”، حيث تخرج فيها العام 1945م.
ومن أبناء دفعته السياسي “عبد الخالق محجوب” في العام (1946م)، دخل المعترك السياسي وبدأ النضال ضد المستعمر البريطاني عبر انضمامه للحزب (الاتحادي) الذي كان يدعو للاتحاد مع جمهورية “مصر”.
امتهن الإعلام وعمل مراسلاً لـ(رويتر). وفي عهد الفريق “عبود” تعرض للاعتقال والسجن بسبب مواقفه السياسية المعارضة للنظام. وفي العام 1962م قادر البلاد مهاجراً إلى “لندن” وعمل بالإذاعة البريطانية (البي بي سي)، وزامل فيها عدداً من عمالقة الأدب والإعلام من السودانيين في مقدمتهم الأديب العالمي “الطيب صالح” والإذاعي المخضرم “إسماعيل طه” والإذاعي القدير “أيوب صديق”. استمر فيها متدرجاً في المناصب إلى أن تقاعد في العام (1985م)، وظل باقياً فيها متمسكاً بالجنسية والجواز السوداني، رفضاً الجواز البريطاني الذي استحقه بالإقامة الطويلة، وظل الراحل يعتز بذلك حيث ظل يذكر أنه في العام 1965م تلقى رسالة من وزارة الداخلية تخطره عبرها بأنه استحق الجنسية، ولكنه لم يرد عليهم ليؤكد لهم بأنه سيظل محتفظاً بهويته السودانية التي يعتز بها، وما يؤكد فخره بانتمائه لأرض الخير “السودان” أنه أوصى بأن يقبر في مدينة “سنار” جوار والده وعمه “يوسف بدري” في ضريح الشيخ “فرح ودتكتوك”، وأن يكتب على قبره (هنا يحيا من ليس بشاة أو جزار في انتظار تكميل المشوار).
الراحل له العديد من الكتابات التوثيقية والفكرية، وله مؤلف طبع تحت عنوان (قطار العمر).
لديه من الأبناء “بشير” و”أحمد” و”عديلة” و”منى”
و”زينب البدوي” الإعلامية المتميزة ومعدة ومقدمة برامج شهيرة بإذاعة (البي بي سي)، وفي أحد الحوارات الصحفية التي أجريت معها، قالت “زينب” عن أبيها: (أبي محمد خير البدوي أو (بداوي) كما ينطقها الانجليز، رجل نادر وفريد، تعلمت منه كثيراً ظل حله لأبنائه وبناته ثابتاً وقوياً لا يتغير أو يتبدل، كما ظل ملتزماً بمبادئه على الدوام، وكم شقي مراراً في سبيل ذلك، وهذا ما قصدته “بنازير بوتو”، حينما طلبت مني في آخر لقاء بيننا أن أبلغ تحياتها وتمنياتها لأبي لأنه كثيراً ما يذكرها بأبيها المرحوم “ذوالفقار علي بوتو”، لما ابلغت أبي رد علي في عفوية معهودة (بوتو لقي ربه شهيداً على حبال المشنقة فارتاح راحة أبدية، بينما أمضيت نصف عمري ولا أزال في غربة المنفي وعذابه كهدهد سليمان بين قوم لا يعرفون قدري).
وبرحيل الأستاذ الإعلامي القامة “محمد خير البدوي” تكون البلاد والأمة العربية والإسلامية قد فقدت علماً من أعلام الصحافة والإعلام والتوثيق.