أخبار

وداعاً للمعارضة

أعلن حزب المؤتمر الشعبي مغادرة مركب المعارضة، أو سفينتها رسمياً والانسحاب نهائياً ،من جماعة كان قائداً في سربها .. لأكثر من سبعة عشر عاماً ذاق فيها الشعبي كل صنوف العذاب والتنكيل، ومهر معارضته بالدم، حيث فقد العشرات أو قل المئات من منسوبيه، الذين قتلوا في دارفور أو قتلوا في مناطق أخرى.. وسجل الشعبي أكبر عدد من المعتقلين السياسيين في تاريخ البلاد، حيث زجت الحكومة بالمئات من شباب وشيوخ الشعبي في السجون، وشردوا من وظائفهم في الدولة .. وتحت لافتات وادعاءات وتهم،  فقد الشباب مناصبهم من موظفي خدمة عامة..وضباط في القوات المسلحة وجهاز الأمن والشرطة.. ومكث “الترابي” أطول فترة يمضيها سياسي في غياهب السجون منذ استقلال البلاد عام 1956م. بعد تجربة الدم والدموع والأحزان والأماني بإسقاط النظام بالقوة.. وبالانتفاضة وبالسلاح وبالحصار النفسي ، وبالأماني والآمال التي علقت كثيراً على الأجنبي ، وعلى حاملي السلاح .. أدرك المؤتمر الشعبي ، لوحده ،أن رفقة المعارضة التي كانت حليفته ،رفقة غير مأمونة وتحيط بها شبهات المؤامرة.. ورائحة العمالة.. ومذاق الرهان على الأجنبي.. لم يقطع الشعبي المسافة بين القصر والمنشية مهرولاً على ظهور السيارات الحكومية.. ولا عبر جسر السلطة ، والاتفاقية التي توقع في رابعة النهار وفي هجعة الليل .. الإنقاذ لديها طريقتها في استمالة خصومها .. إذا كنت تستحي من التوقيع نهاراً ، فإن الليل (يغطي الجبال) . هناك دروب تسلكها الأحزاب إلى قلب السلطة في هجعة الليل ،ومثال لذلك : هل يعلم أحد عن نصوص الاتفاقية التي وقعت بين المؤتمر الوطني وجماعة أنصار السنة المحمدية ؟ .. وهل من يستطيع تفسير حالة التوافق الصامت بين المؤتمر الوطني ،وبعض الكيانات التي تبدو ظاهرياً معارضة وباطنياً لها تفاهمات عميقة مع الرئيس “البشير”؟ .. اختار المؤتمر الشعبي الحوار مع المؤتمر الوطني ، دون أن يقبض سلطة أو يقبض شيئاً آخر،  إن كان هناك شيء أصلاً .. وقف الشعبي معبراً عن قناعاته في لجان الحوار .. فاوض الآخرين ،قبل النظام.  ولكن دخول الشعبي مظلة الحوار جعله في خندق المشكوك في ولائهللمعارضة.. تم طرده من تحالفات المعارضة.. والتشكيك في ذمته السياسية،  وتم نعت أنشط قيادات المؤتمر الشعبي وأقربهم للدكتور “حسن الترابي” بكل قبيح …. ليصبح الأستاذ “كمال عمر” مبغضاً في معسكر المعارضة،  أكثر من بغض المعارضين لـ”أمين حسن عمر”.
ومع بلوغ الحوار الوطني محطته قبل الأخيرة ، فكر الشعبي وقدر واستدبر في واقع الساحة.. وأعلن جهراً مقاطعته للمعارضة ، ووداعه لسرب كان فاعلاً فيه.. وكشأن (المتفارقين) بغير إحسان، قال الشعبي شهادته في المعارضة ، وتحرش بها عند القوات المسلحة التي تملك منح الأحزاب حسن السير والسلوك،  انطلاقاً من موقف الأحزاب من الجيش ، الذين يطالبون بحل الجيش وتسريحه ودمغه بموالاة حزب المؤتمر، من حق الجيش ،أيضاً ،المطالبة بحل هذه الأحزاب وحظرها .. وتجميد نشاطها ..ولكن المؤتمر الشعبي اختار (تخوين) أحزاب المعارضة، ودمغها بالمعارضة.. ليفتح الأستاذ “كمال عمر” (صندوق الباندورا) كما يقول الإفرنج ، ويعلن جهراً بزوغ شمس عهد جديد من الصراع بين المعارضة ، والمعارضة التي كانت ..قبل أن تصير جزءاً من تحالف حكومة (تتخلق) ،الآن،  في رحم الحوار الوطني.. لكن موقف الشعبي ينم عن وضوح.. وصراحة وشجاعة.. ومبدأ،  بغض النظر عن المسافة التي تفصله الآن عن الوطني، إلا أن الشعبي اقترب أكثر من نبض ورغبات وآمال وأشواق تيار الأغلبية ، الذي يسند الرئيس “البشير” منذ 1989م وحتى اليوم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية