طيور وحيوانات توسطت صورها أعلام الدول والممالك
ما بين الأسطورة والقصة
المجهر- ميعاد مبارك
ما بين الأساطير والقصص التاريخية، تزينت العديد من أعلام الدول والممالك بصور لحيوانات وطيور لها دلالاتها الاجتماعية أو الدينية، وصحبتها قصص وأساطير من عمق الماضي.. (المجهر) جالت بين تفاصيل تلك الحكايات التي جعلت من حيوانات وطيور بعينها خياراً لأمم وشعوب لتكون رمزاً لسيادتها الوطنية، واختارت بعض القصص.
{ ملك الغابة و”السنهاليين”
القوة المهابة جعلتا للأسد مكانة تاريخية لها قداستها لدى بعض الشعوب، التي حفظت له هيبته التاريخية وأبقته مثالاً للنبل وحملته رمزيتها الوطنية والدينية. ومن الدول التي وضعت الأسد على علمها جمهورية “سيرلانكا” وتعود قصة قداسة الأسد إلى الغالبية السنهالية في المنطقة التي يعود تأسيس شعبها حسب الأسطورة إلى الأمير”سري فيكراما راجا سينغا”، الذي طرد من بلده الأم “الهند” فأتى مع بضع مئات من أتباعه إلى جزيرة “لانكا”وقاموا بتهجير السكان الأصليين وأسسوا المملكة التي أصبحت أسلاف الشعب “السنهالي”ا لحالي، واسم الأمير”سينغ” في اللغة الهندية يعني “الأسد”، وكانت تماثيل الأسود توضع أمام بوابات المعابد في الهند للاعتقاد بأنها تمثل الحارس القوي لدور العبادة وحراس أديان “الدارما” من بوذيين وهندوس وسيخ، و”الدارما” تعني في الحضارة الهندية “طريق الحقيقة العليا”، ويبدو أن الملك “سينغ” نقل قداسة الأسد ومعتقداته الدينية لـ”سيرلانكا”، حيث يعود الاستخدام الأول للعلم في “سيرلانكا” إلى عهد الملك “سينغ”، الذي كان يحمل نفس الشعار الموجود في العلم الحالي الذي يتوسطه أسد يشهر سيفاً في رمزية تحمل الحماية والقوة، حيث يشتق اسم جماعة “السنهاليين” التي تمثل أغلبية سكان “سيرلانكا” من الكلمة الهندوأوروبية “سينهالا”، التي تعني “شعب الأسد” أو “الشعب ذي دم الأسد”. ومن الآثار البارزة ذات الشهرة في “سيرلانكا” قلعة الأسد الحجري أو حصن الصخرة القديمة الذي يقف أمام مدخله تمثال أسد آسيوي بطول (600) قدم.
{ تنين سماء الشتاء الصافية
علما “ويلز” و”بوتان” هما الوحيدان اللذان يحويان شعار التنين. مملكة “بوتان” أو أسعد بلدان آسيا حسب بعض الدراسات التي تقع جنوب أسيا، يتوسط علمها “تنين” أبيض يحمل جوهرة، وترجع رمزية التنين إلى التسمية القديمة للمملكة، حيث كان السكان المحليون يدعونها(دراك) وتعني (تنين الرعد) في الثقافة المحلية. وتعود أصول أسطورة “التنين” أيضاً إلى الخلفية الدينية للمنطقة. ففي عام 1189 وبالتحديد عند تأسيس مدرسة “دروبكا” البوذية، التي أسسها “يشي دورجي”، حيث كان يمر بأحد وديان المنطقة ورأى قوس قزح وأضواء تغمر الوادي ما دفعه لبناء دير للرهبان في المنطقة، وتم البناء عام 1189 في منطقة وكان يعتقد أن تنيناً كان يرعد فيها ثلاث مرات في سماء الشتاء الصافية والذي يدعي”تنين البرق”. وأصبحت مدرسته تعرف باسم (دراك) أي (التنين)، الذي أصبح فيما بعد الشعار الرسمي والمكون الأساسي لعلم مملكة “بوتان”.
{ الإمبراطورية “الحثِّيَة العظيمة”
العديد من الدول الجنوب الغربي لآسيا وأوروبا الشرقية اتخذت النسر ذا الرأسيين شعاراً لها يتوسط علمها، وكثرت القصص والأساطير التي حيكت عنه، منها “روسيا”، “ألبانيا”، “صربيا” و”الجبل الأسود”. وقد أعاد المؤرخون أول ظهور لـ”النسرَ ذي الرأسين” كرمز وطني إلى الإمبراطورية “الحثِّيَة العظيمة”، التي بسطت سيطرتها على الجزء الأكبر من تركيا الحديثة ما بين القرنين السابع عشر والثاني عشر قبل الميلاد. وأعاده البعض للإمبراطورية الرومانية القديمة ولمشهد كنسي يقال فيه إن نسراً كبيراً حلق داخل الكنيسة وكان يميل برأسه يمنة ويسرة حتى خيل للرأي أن له رأسين، ليصبح بعدها رمزاً للمسيحية الشرقية.
{ حكاية “ابن النسر” الألباني
يحكي القص الشعبي الألباني، عن رمزية النسر ذي الرأسين وعن كيفية حصول “الألبانيين” على اسمهم، حيث تقول الحكاية: (كان هناك شاب يصيد في الجبال. وكان هناك نسر يطير، وقف على قمة صخرة عالية. كان النسر كبيراً ويحمل أفعى في منقاره، بعد فترة طار النسر بعيداً عن الصخرة التي كان عليها عشه. تسلق الشاب إلى أعلى الصخرة حيث رأى في العش فراخ النسر تلعب بالأفعى التي لم تكن في الواقع قد ماتت. وفجأة انتفضت وتأهب للانقضاض على فراخ النسر والتهامها، وعندها التقط الشاب قوسه وسهماً ورمى الأفعى فقتلها. ثم أخذ فراخ النسر وعاد للمنزل. بعد فترة سمع صوت جناحي النسر وصاح النسر: “هل اختطفت أطفالي؟”، عندها أجاب الشاب: “إنهم أطفالي الآن لأنني أنقذتهم من الأفعى”. رد عليه النسر: “إذا ما أرجعت لي أطفالي سأعطيك نظراً حاداً مثل نظري وقوة مثل قوة جناحي، سوف تصبح قوياً وستسمى على اسمي”. وعندها أرجع الشاب الفراخ للنسر، وعندما كبرت الفراخ صارت دائماً تحلق فوق رأس الشاب الذي أصبح رجلاً بالغاً وكان يقتل وحوش الغابة بسهامه وقوسه وذبح العديد من الأعداء بسيفه، وقد كان النسر يراقبه دائماً فوق رأسه، وقد أعجب الناس بقدرته على الصيد والدفاع عن الأراضي فقاموا باختياره ملكاً عليهم وسموه “ابن النسر”، وسميت مملكته “أرض النسور”). وأعاده بعض المؤرخين إلى فترة حكم البطل القومي الألباني “إسكندر بيه” ما بين العام 1405-1468، وذهبوا إلى أن عدد الريش الذي يحمله النسر في كل من جناحيه وصدره ورقبته يمثل عدد السنوات التي حكم خلالها “إسكندر” ألبانيا.
{ صقر جديان حكومة “نميري”
كان “وحيد القرن” أو “الخرتيت” هو الشعار الرسمي الذي يزين علم السودان، إلا أن الانتقادات طالته لأنه وصف بالحماقة وجموحه عند الغضب فارتأت حكومة الرئيس السابق “جعفر نميري” أن يتم تغييره إلى “صقر الجديان” أو طائر “الكاتب” ويظهر بجناحيه ممدودين إلى أعلى من ناحيتي اليمين واليسار، وذلك بعد تكليف لجنة من الفنانين التشكيليين ضمت “أحمد حامد عربي”، “مجذوب أحمد رباح”، “حسن الهادي”، “أحمد شبرين” و”عبد الرحمن الجعلي” (مصمم علم السودان)، وتوصلت اللجنة إلى التصميم الحالي للشعار وأعادوا تصميم العلم، وقد تم اختيار “صقر الجديان” لتميزه بالقوة والذكاء والجمال، ومعروف بقدرته على الطيران في ارتفاعات بعيدة، كما يمتاز بقوة النظر الحادة.. كما يعتدّ صقر الجديان من الصقور الرافضة لترويضها وتدريبها لصيد غيرها، بالإضافة إلى أن صقر الجديان لا يخشى الثعابين بل يصطادها، فأصبح بمثابة رد على شعار حركة (الأنانيا) الجنوبية المتمردة وقتها الذي كان ثعباناً أسود اللون.