"الجاز" بين موقفين
في الوقت الذي كرم فيه الرئيس الصيني “شي جي بينغ” الوزير السابق د.”عوض أحمد الجاز” ضمن عشرة شخصيات أخرى ناجحة بالمعيار الصيني طبعاً ومن كل أنحاء العالم، صدرت دعوات من البرلمان السوداني بطرد د.”عوض الجاز” من المبنى (الرمادي) القديم بزعم الغياب عن جلسات البرلمان ضمن آخرين في مقدمتهم “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق ورئيس البرلمان السابق د.”الفاتح عز الدين” ومدير جهاز الأمن السابق المهندس “صلاح قوش”.. السؤال لماذا كرمت دولة الصين في أعلى هرمها الوزير السوداني؟؟ حاول المهندس “محمد وداعة” الذي يقف في ضفة المعارضة والنقيض لدكتور “الجاز” تغبيش الوعي العام بمعلومات صبغت بالموقف السياسي أكثر منه بالموضوعية، حيث ربط بين مخلفات التنقيب عن البترول في مناطق غرب كردفان والوزير السابق الذي يمثل لقطاع عريض من السودانيين نموذجاً للنجاح. وقديماً قيل عين السخط إنها (تبدي المساوئا) وما عين السخط إلا تلك التي ينظر بها المهندس “محمد وداعة” وهو يكتب عن البترول الذي بدل وجه السودان الكئيب إلى ما هو عليه الآن من طرق على ضفتي النيل من الخرطوم حتى دنقلا، وجسور بالولايتين الشمالية ونهر النيل.. وجسور النيل الأبيض والمك نمر وسد مروي وستيت.. وشوارع الخرطوم والمحطات الحرارية، هل نهضت هذه المشروعات بعون أجنبي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟؟ أم هي عائدات البترول التي يقول عنها “محمد وداعة” (إن ثروات البلاد النفطية لم تعد على السودان بشيء غير التلوث البيئي وانتشار الأمراض الفتاكة وإهمال المواطنين وعدم تقديم الخدمات لهم)، ولأن في نفس “وداعة” شيئاً يشكك في الأسباب التي جعلت الصين تكرمه ضمن عشرة شخصيات ناجحة في العالم.
نعم الصين استفادت من دخولها القارة الأفريقية عبر بوابة السودان واستفاد السودان من شجاعة الشركات الصينية التي دخلت بلاداً محاصرة واستثمرت في أعالي النيل، وعلى الحدود بين الشمال والجنوب بفضل اتفاقية الخرطوم للسلام.. وساهم د.”عوض الجاز” مساهمة كبيرة جداً برؤيته الثاقبة وصدقه في التعامل مع رأس المال الصيني.. سهر الرجل الشهور والسنين في مواقع إنتاج النفط ببليلة وهجليج من أجل خدمة بلاده لا من أجل عيون دولة الصين.. التي تعرف قدر الرجال الذين خدموا بلادهم في تفانٍ وإخلاص. لو كان د.”عوض الجاز” (مرتشياً) وبائعاً لضميره.. ومتلقياً للهبات والعطايا لوجد من الصين الاحتقار والدول لا تكرم الذين (قبضوا) من خزائنها الهبات والرشاوى والعطايا.
بكل أسف رجل مثل د.”عوض الجاز” لم يجد التكريم الذي يستحقه في وطنه السودان حتى اليوم ونجمة الإنجاز التي تزين صدره أيام توليه وزارة الطاقة والتعدين، لا تمثل إلا القليل جداً مما يستحقه الرجل.. فمتى يعترف السودانيون بفضل أولي العزم من الرجال وينزلونهم المقامات التي يستحقونها؟؟ هل نحن شعب قليل الوفاء شحيح العطاء لمن يعطي ويبذل؟؟ متى نتعلم من الصين الشيوعية أن قيم الإسلام تحثنا على الشكر والحمد والثناء لمن يحسن العطاء.. في ذات الوقت إن كان ما ذهب إليه النائب البرلماني القادم من أقاصي دارفور صحيحاً.. فإن لائحة البرلمان يجب أن لا تبعض، وتنص اللائحة على فقدان النائب البرلماني لمقعده في حال غيابه عن دورة كاملة دون إذن مسبق من رئيس البرلمان، وكلمة دورة كاملة تجعل حضور النائب لجلسة واحدة أو جلستين كافية للبقاء في مقعده.. ولكن لرئيس البرلمان سلطة حجب مخصصات النواب المتغيبين دون أسباب.
ود.”عوض الجاز” و”علي عثمان محمد طه” ود.”الفاتح” و”صلاح قوش ” إضافات نوعية للبرلمان، لكنهم شبعوا في السلطة وزهدوا في الأضواء. وتشغلهم عن البرلمان شواغل أخرى بين تجارة.. واجتماعيات وزهد في الظهور في المسرح السياسي، ولكن لماذا يقدم المؤتمر الوطني من حيث المبدأ قيادات (تبدو) زاهدة في البرلمان ولا يمثل وجودها داخله إلا مظهراً اجتماعياً لا أكثر.