شعبنا يعاني .. وصحافتنا (محاصرة)!!
{ تمر الصحافة السودانية بمنعطف خطير خلال هذه المرحلة الاقتصادية العصيبة، في ظل ارتفاع سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، ما أدى إلى زيادة مضطردة في تكلفة استيراد مدخلات الطباعة من ورق وأحبار، فضلاً عن (الجبايات القهرية) التي فرضتها دوائر حكومية مختلفة على مواد الطباعة.
{ وقد نبهنا كثيراً طوال الأشهر الثلاثة الماضية إلى الأزمة الطاحنة التي تواجه الصحافة، وسمعنا وسمعتم وقرأتم معنا توجيهات (رئاسية) على لسان وزير الإعلام بحل مشكلات الصحافة، في ما يتعلق بتوفير (النقد الأجنبي) لاستيراد الورق والأحبار وغيرها من مدخلات الطباعة، وإلغاء الرسوم الباهظة على طن الورق من قبل (الجمارك)، و(المواصفات والمقاييس)، وضرائب القيمة المضافة على المطابع والإعلانات.
{ سمعنا، ونشرنا، وقرأنا، ولكننا لم نر فعلاً على أرض الواقع، ولهذا تجدنا نصدق ما يردده بعض الناشرين، وعامة الشعب، بأن الحكومة لا تريد صحافة، ولا صحفيين، وتمني نفسها لو أنها استيقظت في الصباح الباكر ووجدت “الخرطوم” عاصمة بلا صحافة!!
{ هذه أماني أصحاب العقول المتحجرة والأفق المسدود، وهم لا يعلمون أن أهمية الصحافة في أي دولة محترمة لا تقل عن أهمية القوات المسلحة، والشرطة، وجهاز الأمن والمخابرات.
{ انظروا – لو تعقلون – إلى ما حدث في بلدان، بلا صحافة حقيقية، الصحافة فيها مثل (مطبقات) وزارات الإعلام، ومراسيم القصور الرئاسية!! ماذا حدث في (ليبيا القذافي)؟! و(تونس بن علي)؟! و(سوريا الأسد) و(يمن علي عبد الله صالح)؟!
{ لقد انفجرت (الثورات) بغتة في “تونس” و”ليبيا”، ولم يكن الرئيس “بن علي” وأجهزة مخابراته العتية – (بن علي هو مؤسس جهاز الأمن في تونس) – لم يكن يدور في خلدهم بل في تخيلاتهم قبل أسبوعين فقط من اندلاع الثورة أن ما حدث في تونس يمكن أن يحدث، وأن الرئيس سيهرب هو وعقيلته “ليلى الطرابلسي” في اللحظات الأخيرة إلى السعودية قبل القبض عليه!!
{ ولم يكن الزعيم الأممي.. وملك ملوك أفريقيا العقيد “معمر القذافي” يصدق أن الشعب الليبي الذي عمل على (تدجينه) أكثر من أربعين عاماً طويلة، يمكنه أن يكسر القيد، وينطلق من قمقمه، فيطارد العقيد من مدينة إلى مدينة، ومن شارع إلى شارع، ومن (حفرة) إلى(حفرة)، حتى يرديه قتيلاً بالرصاص، في أحد (الخيران)!!
{ لماذا حدث (الانفجار) بغتة رغم وجود أجهزة أمن قابضة وقاهرة وعالية التجهيز والإمكانيات؟!
{ لأن (الصورة) أمام (القيادة) كانت (معتمة)..!
{ الصحافة هي (قرون الاستشعار) الحقيقية، هي جهاز (نبض الشارع)، هي جرس (الإنذار المبكر).. هي الرقيبة على الشارع.. وعلى الحكومة، وكلما اتسعت مساحة (الحريات)، كلما تكشفت ملامح (الصورة) الحقيقية، لا (المزيفة)، و(المدبلجة) تلك التي اعتمد عليها “القذافي” و”بن علي” و”بشار”، و”علي عبد الله صالح”.
{ أما عن ما حدث في “مصر”، فالوضع مختلف، كانت هناك صحافة (حرة) إلى حد كبير، قبيل اندلاع الثورة بأعوام قليلة، وظلت الصحافة المصرية تطرق على موضوع (توريث جمال مبارك) لثلاثة أعوام متواصلة، ولكن الرئيس “مبارك” لم ينتبه، وكان (غائباً) و(مغيباً) عن الوعي، وفي أسوأ حالاته (السياسية) و(الصحية)، ثم أجهزت عليه تماماً (مجموعة الوزير أحمد عز) الاستثمارية. (لدينا في السودان الآن أكثر من أحمد عز)!!
{ إن لديّ قناعة راسخة بأن الرئيس “مبارك” لو حسم (موضوع التوريث)، وعين نائباً له قبل الثورة بأشهر، ولم تحدث عملية التزوير الضخمة التي تم بها إخلاء (مجلس الشعب) بالكامل من (الإخوان) الذين كانوا يشغلون نحو (تسعين) مقعداً في البرلمان السابق تحت لافتة مستقلين، لما قامت الثورة في مصر.
{ الصحافة مرة كالعلقم في حلوق الفاشلين والفاسدين والمتحجرين، ولكنها مرآة الشعب.. والدولة الحقيقية.
{ البعض في الحكومة لا يريد صحافة، لأنه متحجر.. متكلس.. ضيق الأفق يريد نهاية مثل نهاية نظام “القذافي” و”مبارك” و”بن علي”.
{ والمطابع تحاصر الصحف، و(الدولار) أو (اليورو) يقفزان، وبنك السودان يتفرج.. و(المواصفات والمقاييس) التي يفترض أنها جهة علمية رقابية، صارت تفرض الرسوم على (الكميات) لا على (النوع)! كلما زادت كمية (الأطنان).. ارتفعت فاتورة الفريق أمن “عبد الله حسن عيسى” مدير عام المواصفات والمقاييس!! يا سبحان الله !! لماذا تفرضون رسوماً – أصلاً – والمالية هي من يوفر لكم الأجهزة والمواد؟!
وما هي الأجهزة التي تستخدمونها لتصنيف (ورق الطباعة).. وتقييم درجاته؟! إنها فضيحة.
{ والقيمة المضافة زادت على إعلانات الصحف، هذا غير الدخل الشخصي، وضريبة الدمغة، وضريبة أرباح الأعمال!! والصحافة تجارة خاسرة ليست فيها أرباح أعمال ولا يحزنون، بالكاد تغطي المنصرفات للصحف الناجحة فقط، وليس المتعسرة.
{ ورغم هذا الحصار (الحكومي) و(الاقتصادي) القاهر، فإننا قررنا – د. “الباقر أحمد عبد الله”، “مصطفى أبو العزائم”، وشخصي الضعيف وزملاء آخرين – عدم زيادة أسعار الصحف، على الأقل في الوقت الراهن، وإخضاع الأمر لمزيد من الدراسة، كما أننا نحترم قرار إخوتنا الكرام الناشرين الآخرين الذين قرروا زيادة أسعار الصحف اعتباراً من يوم غد (الاثنين).
{ إن شعبنا يعاني ما فيه الكفاية، فلا يمكننا أن نزيد آلامه وجراحاته، دعونا نخسر لمدة (شهر) ثم ننظر، ماذا يفعل الله بنا وبشعبنا وبدولتنا. حفظ الله البلاد والعباد.