قطع العلاقات مع إيران.. قراءة في المشهد
{ قرار السودان أمس قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران شكل مفاجأة للكثير من الدبلوماسيين الأجانب ووزارات الخارجية في العديد من دول العالم، قبل أن يكون مفاجأة للمراقبين والمحللين للشأن السياسي في داخل السودان.
{ فعلى الرغم من تدهور العلاقات بين “الخرطوم” و”طهران” بعيد قرار حكومتنا بإغلاق المستشارية الثقافية الإيرانية وفروعها بالبلاد في الفاتح من سبتمبر عام 2014م، بسبب دورها في تزايد النشاط (الشيعي) بالسودان، ثم تلت ذلك مشاركة السودان العسكرية في تحالف (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين (الشيعة) في اليمن، إلا أن الخارجية السودانية أكدت أكثر من مرة أن العلاقات مع إيران ليست متوترة، على الرغم من الوجود العسكري السوداني في اليمن!
{ موقف السودان الأخير بقطع العلاقات مع إيران، يأتي تضامناً مع المملكة العربية السعودية التي أعلنت مساء أمس الأول إنهاء علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية وسحب سفيرها، في أعقاب الاعتداء على سفارتها في”طهران” وإضرام النيران فيها من قبل متظاهرين محتجين على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي “نمر النمر”. فـ”النمر” وآخرون (سنّة) و(شيعة) أُعدموا قبل ثلاثة أيام، بتهم الإرهاب وإشعال الفتنة الطائفية، والتحريض المستمر لتقويض نظام الحكم في السعودية انطلاقاً من منابر المساجد بمحافظة “القطيف” السعودية.
{ المملكة عدّت إدانة إيران لقرار إعدام (47) سعودياً من بينهم “النمر” ورجال دين سلفيين تكفيريين وشيعة، تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي السعودي، واستمرت التوترات باعتداء متظاهرين إيرانيين على سفارة المملكة في “طهران” وقنصليتها في مدينة “مشهد”، إلى أن أعلنت “الرياض” قطع العلاقات مع “طهران” وطرد السفير الإيراني.
{ السودان هو الدولة العربية الثانية بعد مملكة “البحرين” التي تعلن قطع علاقاتها مع إيران تحالفاً مع السعودية.
{ ويعدّ الموقف السوداني متقدماً على مواقف دول (مجلس التعاون الخليجي) الأربع الباقية، ففي حين لم تتجاوز ردة فعل دولة الإمارات العربية المتحدة قرارها بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع “طهران” إلى درجة قائم بالأعمال، مع أنها ظلت الأعلى صوتاً في انتقاد علاقات السودان مع إيران، فإنه لا يتوقع أن تقطع “سلطنة عمان”، “الكويت” و”قطر” علاقاتها مع إيران لأسباب مختلفة.
{ “سلطنة عمان” لم تشارك أصلاً في تحالف (عاصفة الحزم) الذي انخرطت فيه دول الخليج بالإضافة إلى السودان، رغم أنها- عمان- دولة مجاورة لكل من السعودية واليمن.
{ وترتبط السلطنة بعلاقات ممتازة مع إيران، وهي دولة مجاورة لها أيضاً، ما جعلها وسيطاً دولياً قوياً بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي!
{ وقد احتضنت “مسقط” المفاوضات (السرية) الأولى بين إيران من جهة وأمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى حول الملف النووي الإيراني إلى أن تمت التسوية في اتفاق (1+5) في “جنيف”.
{ وتفضل سلطنة عمان دائماً انتهاج الدبلوماسية الهادئة بعيداً عن أي توترات أو مواجهات إقليمية أو دولية، ولهذا نأت بنفسها حتى عن المشاركة بالتصريحات في حملة (عاصفة الحزم) التي انحصرت في نهاية الأمر المشاركات (الفعلية) فيها على السعودية والسودان وطائرات خليجية!
{ أما دولة “الكويت” فمن غير المتوقع أن تقطع علاقاتها مع إيران، خاصة وأن نحو (20%) من سكان الكويت من (الشيعة) ويعيشون في تمازج وتجانس مميز داخل المجتمع السعودي، ويتراوح عدد النواب في مجلس الأمة الكويتي من (17) نائباً في العام 2012 إلى (8) نواب في انتخابات العام 2013 من مجموع (50) نائباً فقط هم جملة أعضاء برلمان الكويت.
{ دولة “قطر” أيضاً لا يتوقع أن تقدم على قطع علاقاتها مع إيران على خلفية الحادثة الأخيرة، وترتبط “الدوحة” بعلاقات تعاون هادئة مع “طهران” منذ سنوات طويلة.
{ إذن.. السودان صار الأقرب للسعودية حتى من بين أشقائها وجيرانها في الخليج!! فكيف ستكون الحسابات الدولية لموقف السودان الأخير؟!
{ المؤكد أن الدولة الأكثر عداء وإضراراً بالسودان على مستوى جميع دول العالم، وهي “إسرائيل”، ستكون أكثر ارتياحاً للقرار السوداني، ومؤكد أن ارتياحها يفوق ارتياح بعض دول الخليج!!
{ “تل أبيب” تطمئن الآن أن ما كانت تزعم وتردد حول وجود خطوط إمداد للسلاح لحركة (حماس) من إيران عبر السودان ومصر، ستنقطع لا محالة، دون حاجة لتكبد خسائر تمويل عمليات مخابراتية وجوية لضرب تلك الخطوط.
{ من حيث لا تحتسب، تكسب إسرائيل من كل تناقضات الشرق الأوسط دون أن تخسر دولاراً، فهل يرتاح السودان؟!
{ مواقف عربية أخرى ربما تتضح من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في “القاهرة” يوم (الأحد) القادم.