أخبار

ضوء في الظلام

يحار المرء كثيراً والحكومة تتجاهل عمداً أو سهواً أو غفلة ما يستحق الاحتفاء به بما يليق.. والشاهد على ما نقوله طريق الإنقاذ الغربي قطاع “النهود الفاشر” الذي اكتمل قبل عام من الآن وحتى اللحظة لم تفكر الحكومة المركزية في افتتاحه لنقول لأهل “دارفور” الذين حمل بعضهم السلاح من أجل التنمية ولا تنمية من غير طريق، وظل طريق الإنقاذ الغربي قصة طويلة تم الزج بها في أتون الخلافات بين الإسلاميين وحصادها المر.. وحينما اكتمل الطريق وأصبحت “الفاشر” تبعد من “الخرطوم” فقط تسع ساعات وكانت تبعد (5) أيام، لم تفكر النخبة المتنفذة في السلطة في الاحتفاء بهذا الطريق وهو احتفاء سياسي كان ينبغي أن تضعه الحكومات في أولوياتها.. وحينما كان الوالي الحالي لشمال “دارفور” وزيراً للطرق بدأ في تشكيل لجان للاحتفال بالطريق، ولكن فجأة (ماتت) الفكرة واليوم أصبح وزير الطرق والياً على شمال “دارفور”، وطاف النائب الأول للرئيس “بكري حسن صالح” قبل أسبوعين عدداً من المناطق، ولم تشمل الزيارة افتتاح الطريق.. والأسبوع الماضي وقّع المهندس “معتز موسى” وزير الكهرباء، على اتفاق مع الشركات الصينية لمد الشبكة القومية للكهرباء من “أم روابة” في شمال “كردفان” وتتخذ مساراً جنوبياً لربط شرق جبال النوبة ومحليات “العباسية”، “الرشاد” و”أبو جبيهة” حتى “تلودي”.. وتحت الظلام الدامس وبعيداً عن أضواء الإعلام وقّع على العقد، ولم يهتم بالحدث إلا تلفزيون “أم درمان” الذي يسمى بالقومي وهو قناة حكومية انفض الناس عن مشاهدتها وضعف تأثيرها.. وكان حرياً بالمسؤولين في وزارة الكهرباء والمهندس “معتز” النظر أبعد من ما هو تحت الطاولة وما فوقها، و”معتز” سياسي نافذ في المؤتمر الوطني ووزير ناجح جداً في موقعه، وهو أيضاً يتولى أمانة العاملين في الحزب تلك الأمانة التي تعتبر القلب النابض والعصب الحي.. ولكن “معتز موسى” لو فكر وقدر وتدبر أثر وصول الكهرباء لتلك التخوم النائية من بلادنا.. والصراع السياسي والعسكري في جبال النوبة يحمل من التوقيع على مد شبكة الكهرباء إلى تلك المناطق احتفالاً كبيراً تزغرد له الحسان ويهتف له أبناء جبال النوبة الذين ينتظرون السلام ونهاية الحرب الحالية بالأمل والشوق، وواحدة من المبررات والذرائع التي يعتبرها حاملو السلاح سبباً لخوض الحرب التهميش التنموي، والكهرباء والطريق هما عماد التنمية في أي منطقة، وقد تعطل الطريق الدائري بفعل التمرد وقصر نظر قادته حينما هاجموا معسكر الشركة الصينية في منطقة “المقرح”، ولو لا ذلك الهجوم لوصل الطريق الآن “تلودي” ولأصبح مزارعو الخضر والفاكهة من “أبو جبيهة” ينافسون مزارعي الشمالية و”كسلا” في السوق المركزي بـ”الخرطوم”.
ومن بين الأخبار القليلة المفرحة في جنوب “كردفان” التي تعيش أوضاعاً مأساوية وغادرتها حتى مشروعات البناء الصغيرة بمغادرة مولانا “أحمد هارون” لـ”كادوقلي”.. أن سلطات محلية “الرشاد” قد افتتحت بالأمس منجماً غنياً بالذهب كان تحت سيطرة التمرد منذ خمس سنوات، ونجحت العمليات التي قامت بها القوات المسلحة الصيف الماضي في الجبال الشرقية من طرد التمرد منها، وبات منجم الزليطاية الغني بالذهب منفذاً تجارياً مهماً، وقد أعلن الدكتور “موسى يونس” أحد القيادات التي ستلعب دوراً مهماً في المستقبل بالمنطقة، أعلن عن فتح المنجم للمواطنين لتعدين الذهب.
ومثل هذه الأخبار هي ما يسعد المواطنين وليس أخبار القتل والحشود والاستعداد للحروب، ومواطنو جنوب “كردفان” رغم الحرب يتطلعون لتنمية المنطقة باعتبار أن التنمية هي السلاح الآخر الذي يحارب الجهل والأمية وتساهم في استقرار المنطقة التي شقيت بالحرب طويلاً وشقيت بالتجاهل طويلاً.. ولكن توقيع الاتفاق على مد أسلاك الكهرباء حتى “تلودي” و”الليري” هي بمثابة شمعة في آخر النفق المظلم وكوة أمل تلوح من على البعد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية