الديون تحاصر "الفاشر"!!
أشفق المشفقون على المهندس “عبد الواحد يوسف” والي شمال دارفور من ثقل الأحمال التي وضعت على كاهله، وإسناد أمر إدارة أهم ولايات غرب السودان من حيث الموقع الجغرافي والموقع السياسي والأمني في منظومة دارفور إليه.. والإشفاق على “عبد الواحد” لا بسبب ضعف كفاءته ولا صغر سنه.. فالرجل يعتبر من الشباب الذين (أثبتوا) جدارتهم في أكبر الوزارات الاتحادية (الداخلية).. ثم ذهب لوزارة الطرق ليجمع ما بين الاتصال التنظيمي في المؤتمر الوطني والوزارة. وجاءت الاختيارات لمنصب الوالي ليجد “عبد الواحد يوسف” دعماً وسنداً وإجماعاً من عشيرتي الحمر والمسيرية، رغم قتامة المشهد حينذاك والتعسف الذي عانى منه بعض رموز المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.. وجاء “عبد الواحد يوسف” في المرتبة الثانية بعد الوالي “خميس”. وبحسابات الواقع ومناخ الانتخابات كان الأول بجدارة واستحقاق ليذهب للفاشر (أبو زكريا) خليفة للوالي “عثمان كبر” بكل بريقه وسطوته ومملكته التي تشكلت خلال (13) عاماً أمضاها “كبر” في كرسي الوالي، لم تزحزحه رياح التمرد ولا (لوبيات) الحزب.. قاتل بشراسة في الجبهات وخرج من الولاية بعد أن ظن الكثيرون أنه لن يغادرها.. ليجد “عبد الواحد يوسف” نفسه أمام واقع شديد التعقيد. حزب تم تصميمه على نسف (السلطان سلطان الأرض والشعب)، وحكومة انتقلت من رئاسة الوالي لبيت الوالي الذي أطلق عليه (البيت الرئاسي) حتى كبرى قاعات المؤتمرات تم تشييدها كجزء من المنزل.. وجلس “عبد الواحد” على كرسي الوالي لتحاصره جيوش من طالبي الحكومة ديوناً لا تحصى ويصعب عدها والتدقيق في أوجه صرفها.. للظروف التي عاشتها الولاية من قبل.. وكتم “عبد الواحد يوسف” لأكثر من ستة أشهر أسرار ولايته وخفايا حكومتها.. ولكن فاض نهر المطالب.. ووجدت الحكومة نفسها في سجن كبير يقيد حركتها ويجعلها غير قادرة على فعل شيء.. وكل ما تحصل عليه من مال يذهب لسداد فواتير قديمة وديون سابقة.. ووزارة المالية التي تعهدت من قبل بسداد الدين الداخلي للولايات وخاصة في الولايات الثلاث البحر الأحمر وشمال دارفور وجنوب كردفان، نكصت عن عهدها و(تملصت) من التزامها.. وتركت الولايات المغلوبة على أمرها تواجه قدرها.. (ويضطر) “عبد الواحد يوسف” ليقول كلمته جهراً بأن “الفاشر” مطلوبة (120) ملياراً من الجنيهات، وأن بنك الخرطوم وحده يطالب الحكومة بمبلغ (105) مليارات جنيه.. ورسم الوالي صورة قاتمة لوضع حكومته المالي حينما ذكر نصاً “ما من أحد في مدينة الفاشر وإلا يطلب حكومة الولاية مالاً” وحتى عربة أمين عام الحكومة تم حجزها لصالح أحد الدائنين.. عندما يصبح صاحب الطبلية والكنتين.. والجزار وتاجر الجملة والقطاعي له فضل على الحكومة.. ويطالبها بأمواله التي في ذمتها.. تضعف الحكومة وتذهب هيبتها ولا يحترمها أحد، وهل في ظل هذه الأوضاع المأسوية تستطيع الحكومة وأية حكومة القيام بواجبها تجاه إنسان الولاية.
نعم أمنياً استطاع “عبد الواحد يوسف” أن يفرض هيبة السلطة ويقضي على التفلت في المدن ويحارب الفوضى ويعيد للناس الطمأنينة المفقودة.. وتنخفض معدلات الجريمة.. ويتقهقر التمرد.. ويعيد ترتيب مجلس الوزراء وتعود الدولة من البيوت إلى حيث يفترض أن تكون، ولكن الديون التي أثقلت كاهل الولاية لن تنهض معها شمال دارفور.. وستهزم الحكومة الولائية قريباً جداً إذا لم تتحمل الحكومة المركزية مسؤوليتها في سداد الديون الداخلية ودعم الولايات ذات التكوين الهش.. والبنية الضعيفة والموارد الشحيحة خاصة في ظل خريف شحيح وإنتاج ضعيف جداً للموسم الحالي، ومركزة كل الإيرادات في الخرطوم وترك الولايات تأكل من خشاش الأرض البور.