الديوان

(أبنود السودان) "مصطفى خضر" رحل وعلى كتفيه وشاح الكلمة الحرة وصولجان الشعر

ظل شِعره حسبه ونسبه في مجالس شندي
بقلم – عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد
 ودعت مدينة شندي مساء الخميس 22،10/2015 في موكب مهيب حزين أستاذ الأجيال المُربي الشاعر المخضرم “مصطفى محمد خضر” طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، فقد رحل “أبنود السودان” بعد سنوات حافلة بالعطاء العلمي والشعر.. رحل “أبا محمد” وعلى كتفيه وشاح الكلمة الحرة وصولجان الشعر، لقد ولد الشاعر “مصطفى” في مدينة دمنهور بجمهورية مصر العربية وتلقى تعليمه على أرضها ثم التحق بجامعة الإسكندرية/ كلية الآداب وهو الذي تعاطى الشعر منذ مطلع شبابه وهو في المرحلة الثانوية وقد اعتقل في مصر وهو طالب بالجامعة بالإسكندرية عندما هجا النظام الناصري وقتها، وكان دائماً يردد ما كتبه الشاعر المصري الراحل الدكتور الشاعر إبراهيم ناجي عندما قال “أعطني حريتي أطلق يدي أنني أعطيت ما إستبقيت شيئاً.. آه من قيدك أدمي معصمي” هذه أبيات من قصيدة الدكتور ناجي التي تغنت بها سيدة الغناء العربي السيدة “أم كلثوم” وبعد تخرج الأستاذ “مصطفى” من جامعة الإسكندرية عمل فترة من الزمن في المدارس في مصر كمعلم للتاريخ عام 1958 وعاد إلى مسقط رأسه “شر كتمو” بوادي حلفا ليبدأ مشوار رحلة التعليم بمدارس السودان المختلفة فعمل بكريمة وكوستي وشندي والمتمة وأماكن أخرى، ظل هذا الأديب في كل موقع يحط برحاله عليه كان يسكب عُصارة علمه على طلابه وكان الطلاب يتشوقون للاستماع إليه عند حصة التاريخ ويصغون إليه بشغف وهو الذي حرر الأجيال من الأدران
يا محرر الأجيال من أدرانها..
 وناشل أملها من الخطر والانغماس..
مهما الليالي أعلنت عصيانها..
فأنت أساس التربية وبنيانها..
فماذا دهاني اليوم حتى لا أرى..
إلا مكان تفجعي وبُكائي..

من أعلام مدينة شندي
فقد عاش حياته بالطول والعرض يخوض في بحر التعليم والشعر معاً، فهو يعتبر من الشعراء الذين أبدعوا في ميدان الملاحم الشعرية، ففي قيلولة دافئة كانت يهب بعدها ليكتب قصيدة من عيون الشعر عن الوطن، فقد كان عاشقاً للحرية والديمقراطية وكان اتحادياً لحماً ودماً وكتب قصيدة رائعة عن الزعيم “إسماعيل الأزهري”، فالأستاذ “مصطفى” عندما استقر به المقام بمدينة شندي ظل ينثر شعره الرائع في المنتديات والأندية الثقافية ويشارك في كل النشاطات الثقافية بالمدينة وقد أحبه الجميع وظل علماً من أعلام مدينة شندي يُشار إليه بالبنان فكان من أميز الشعراء وأستطاع أن يدخل قلوب المئات من أبناء مدينة شندي وما حولها من النجوع والبوادي، عاش وسط الجميع بتواضعه الجم فكان زينة المجالس وعطر أنفاس روادها، أتحف وأثرى المحافل الأدبية بروائع قناديل شعره الذهبي وعمل بقول الشاعر العباسي ابن المعتز
وحلاوة الدنيا لجاهلها
ومرارة الدنيا لمن عقلا
منزله ظل مزيناً باسم “كرمة ابن هاني”
صال وجال في ميادين الشعر والتعليم فكان في مقدمة ركب الشعراء والأدباء والمعلمين.. فواقع شعره كان كالطود الراسخ لا تزحزحه المحن والبلايا وكان يعتني بشعره الذهبي بالمحسنات اللفظية ويدندن دائماً بقصائد وأبيات من الشعر عن حب الوطن وعن رواد الحركة الوطنية ورواد الاستقلال، ونهض بشعره بعيداً عن الصراعات السياسية المتوارثة في البلاد، واعتنى بشعره كعناية الأم بطفلها وظل معجباً بأمير الشعراء الراحل “أحمد شوقي” حتى أن منزله بمدينة شندي كان مزيناً باسم “كرمة ابن هاني” إشارة إلى منزل الشاعر “أحمد شوقي” حيث كان منزله في مصر كان أولاُ بحي المطرية بالقاهرة ثم انتقل إلى الجيزة وكانت اللافتة لافتة منزله مكتوب عليها”كرمة ابن هاني” حيث كانت داره مرتعاً خصباً ومنتدى للشعراء والأدباء بل كانت داره صالوناً للشعر والأدب وملتقى للشعراء والأدباء والسياسيين عامة وكذلك كان منزل الأستاذ “مصطفى خضر” كان منزله عامراً بحب الناس جميعاً والكل يذهب إليه ليستمع إلى قصائده الرائعة من عيون شعره فعندما كان يعمل في مهنة التدريس كان يشارك في عملية التصحيح لامتحانات الشهادة السودانية فألقى بين زملائه المعلمين أبيات من الشعر جاء فيها ما يلي:
أنا قد عملت مُعلماً وبدأت حياتي “بكيوه”
ونزلت في (الأولى) ويعرفني بأشعاري صديقي “سبدرات”
وكنت أتحفه بشعري حين كان وزيرنا..
ويزورنا كمصححين  وكمعلمين ..
لقد كان الأستاذ “مصطفى” قامة تاريخية من قمم التعليم والشعر وظل شعره هو مجده وحسبه ونسبه بين الناس، فقد بكاه الناس جميعاً وبكته القوافي والبلاغة ولغة الضاد
ما للبلاغة غضبي لا تطاولني
ما لحبل القوافي غير ممدود..
أبنود السودان زينة المجالس والمحافل
وقد كان الناس ينادونه بأبنود السودان إشارة إلى الشاعر المصري الراحل “عبد الرحمن الأبنودي” فكان من المعجبين به وظل يلقي الشعر على مسامع الناس على طريقة الشاعر “الأبنودي” وكان لشعره من وقعه بليغ في الأسماع وحينما أصابته الوعكة “الأخيرة” أصبح طريح الفراش بمستشفى المك نمر بشندي ظل رغم وعكته بالمستشفى ظل قلبه ينبض بالشعر وآخرها كتبه وهو على فراش المرض كتب أبيات من الشعر عن الدكتور “متوكل إمام” اقتطف منها هذه الابيات.. وعرفتك فعرفت فيك شخصاً نبيلاً يحمل الحب للناس نوراً فأمضى إلى طريقك هذا بجد وعالج الناس دون أن نرى منك غروراً رحم الله الأستاذ “مصطفى خضر” زينة المجالس والمحافل بمدينة شندي التي أعطته أجمل الذكريات النبيلة فأعطاها قناديل شعره الذهبي بلا حدود وبلا قيود، فهو الشاعر الذي اعتزت به الأقلام وهي تكتب عنه سطوراً ذهبية في مجمع هو البيان لواءه بك فيه واعتزت بك الأقلام طبت حياً وميتاً يا سيد الشعراء والنبلاء وأمير لغة الضاد فوداعاً ثم وداعاً أعذب قيثارة للشعر في بلادنا وسيبقى من الشاعر “مصطفى” على هذه الأرض سيبقى شعره الذهبي أما الزبد  فيذهب جفاء فكل الممالك زائلة والشعر مملكة الخلود ورحم الله آخر فحول الشعراء في هذا الوطن الذي هز منابر الشعر بروائع قناديل شعره حتى اصبح رفيع القدر وعالي الصيت بين رهط الشعراء والأدباء فبعد عمر مديد رحل آخر فحول الشعراء رحمه الله ونسأله سبحانه وتعالى أن يدخله الفردوس الأعلى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية