هوس الأولاد بالموضة نافس اهتمامات البنات
جن جنونهم بـ(تقليعات) الملابس الشاذة
المجهر – آمنة عبد الرحيم
الاهتمام بالأناقة و(الهندمة) ومواكبة صيحات الموضة لم يعد شيئاً يخص الفتيات وحدهن، وفي الآونة الأخيرة زاد هوس الأولاد بأدق تفاصيل الموضة وصاروا أكثر اهتماماً بتصاميم وألوان الأزياء وجن جنونهم بـ(التقليعات)، حيث ظهرت (استيلات) وتصميمات حديثة بمسميات عديدة لملابس الأولاد من بينها (السستم، الأسكينى، والجلاكسي).
المجتمع يحرض على (الشياكة) والهندمة
حول هذا الموضوع قامت (المجهر) بجولة استطلاعية وسط شباب الجامعات، وفي البداية تحدث لنا الطالب “مصطفى حسن” الجامعة الأهلية (رابعة هندسة) وهو يرى أن لبس الأولاد لا بأس به، لكن أحياناً المجتمع نفسه يحرض الشاب على الاهتمام بهندامه، فالمجتمع يحترم الشخص المهندم ومن هنا أصبح معظم الأولاد يهتمون بـ(الشياكة)، وأحياناً الاهتمام الزائد يوصل الشاب إلى متابعة الموضة.
أما “عبد الله” من كلية الطب (الجامعة الأهلية) يرى أن لبس الشباب (الأولاد) مناسب خالص ولا يرى مبرراً للنقد الموجه لهم في هذا الخصوص.
الطالبة “سارة” وزميلتها “ريل” أكدتا على أن غالبية (أولاد الجامعات) صاروا يشاركون زميلاتهم حتى في التصميمات النسائية في الملابس والأحذية، بل ويتفوقون عليهن أحياناً في تنسيق الألوان.
“كامل محمد” جامعة السودان كلية الفنون (المستوى الثالث) يرى أن بعض الأولاد لا يمكن تمييزهم عن البنات من لبسهم. ورداً على سؤالنا له عن مجاراته للموضة أجاب بالنفي، وأكد بأنه لم ولن يجاريها يوماً من الأيام.
“آمنة” خريجة جامعة السودان كلية الفنون الجميلة (قسم الخطوط) أشارت إلى أنها تحترم الولد الذي يرتدي الملابس والألوان التي تتناسب مع الرجال، ولذلك تشترط في فتى أحلامها أن لا يكون ممن يجارون موضة الهيافة، على حد تعبيرها.
للأسرة دور في السالب والايجابي
من جانبه يقول أستاذ “ياسر سعد” (محاضر في الجامعة الأهلية، كلية علوم اتصال) إن لغة التعميم تظلم الكثير من الشباب المتزن في هندامه وأناقته. فمن خلال التعميم، يحكم الكثيرون على الشباب باللبس الشاذ، وأشار إلى أن الإعلام دائماً ما ينتقد الجامعات وكأن الجامعات أتت من كوكب آخر، وأضاف بأن شباب الجامعات جزء من المجتمع الكبير، وأن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في توجهاتهم السالبة والايجابية.
أستاذة “سامية حمدنا الله” (مسؤول إداري بجامعة)، قالت إن لبس الشباب بالجامعة عموماً محترم، ولكن الأمر لا يخلو من بعض الشواذ، وأشارت إلى أن الطالب يحترم الجامعة والشواذ نجدهم في الخارج.
تغيير مجتمعي وتحول ثقافي
البروفيسور “عبد الغفار محمد أحمد” أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم، قال إن التغيير والتحول سمة من سمات المجتمع، والمجتمعات في وقت مضى تختلف عن المجتمع الحالي في الثقافة والقيم والعادات، واللبس كثقافة أيضاً أصابه التغيير وهناك التغيير الديني الذي يرتبط بفقه الناس ومفهومهم للدين. ومثل ثقافة اللبس المتعلق بالدين، النقاب كثقافة قادمة إلينا من بعض الدول العربية، والثاني التغيير الذي ارتبط بالتطور الاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي، حيث أصبحت هناك ثقافة جديدة للبس والمجتمع تقبل هذه الثقافة وإن لاقت بعض الاعتراضات، وأشار إلى أن شبابنا أصابهم هذا التغيير في اللبس والشكل وهو بالتأكيد ليس تغييراً للأفضل، فكثير من الشباب ضلوا الطريق بمجاراتهم الموضة الغربية التي لا تتناسب معهم، وبعض التغيير ارتبط بالمفهوم الطبقي للمجتمع والآخر ربما يعود لعدم تنشئة الأبناء على العادات والتقاليد التي يريدها المجتمع.
محطتنا الأخيرة كانت مع الاختصاصي النفسي “مطيع كباشي” الذي أرجع ظاهرة تعلق الأولاد بالموضة إلى عدد من المتغيرات، أدت إلى انتشار هذه الموضة بين الشباب (ذكوراً وإناثاً) وفقاً للنظرية السلوكية في علم النفس يمكن أن نرجع ظاهرة إتباع الموضة إلى التعليم الخاطئ في التنشئة الاجتماعية، والذي تلعب فيه الأسرة الدور الرئيس والمحوري في تعليم النشء القيم والسلوكيات التي تتماشى مع الأعراف والتقاليد الثقافية للمجتمع، وأن علم النفس يرى أن التقليد والمحاكاة الاجتماعية تلعب الدور البارز في إكساب السلوكيات، وكذلك دور النموذج أو القدوة، ويظهر لنا ذلك في أشكال الموضات السارية الآن، حيث نجد الشباب يقلدون بعض تسريحات لاعبي كرة القدم العالميين أو لبس أشكال غريبة من الأحذية أو الملابس ترجع إلى تأثرهم ببعض الفنانين العالميين.
إجمالاً للقول إن التراجع الرهيب في السيطرة من قبل الأسرة على أبنائها الذي حدث بسبب العولمة والانفتاح على العالم ووسائل التواصل المختلفة مما أدى إلى خلخلة الموروث الثقافي المحلي، إضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد الآن أجبرت أولياء الأمور على التغيب لساعات طوال عن الأسرة بحثاً عن لقمة العيش مما انعكس سلباً على الأبناء في التوجيه والإرشاد.
يمكن القول إن المجتمع نفسه يلعب دور المقوم بل حتى الشباب يمكن يؤثر بعضه على بعض مثل ما حدث في إحدى الجامعات السودانية عندما قدم شاب يرتدي قميصاً ضيقاً و”مخنصر” سخر منه الأولاد وسيروه وعلمت كل الجامعة بأمره، فما كان منه إلا أن ترك ذلك اللبس الضيق وأصبح يلبس كالآخرين. لكن هل يحتاج كل الشباب لمثل ذلك الموقف حتى يتخلوا عن إتباع (تقليعات) الموضة الشاذة؟.
أخيراً أقول إن انقياد شبابنا وراء الاستلاب الثقافي، انحراف عن المسار وحتى يعودوا إلى الدرب السليم يحتاجون منا إلى صبر واهتمام، ولا شك أن للآباء والأمهات دوراً في الأخذ بيدهم وكذلك المؤسسات التعليمية.