الديوان

السوق الافرنجي ، رغم انحساره ، لازالت برنداته تعج بالبضائع وتضج الحكاوي،

(مومبي بازار) و(الهلالي) و(الناظر) أعرق محال السوق الأفرنجي
المجهر – ميعاد مبارك
السوق الأفرنجي.. قبلة  وجهاء المجتمع الذي كان يبدأ بـ(شارع البرلمان) وينتهي قرابة جامعة الخرطوم، انحسر  وانحصر وتقلص في مبنى عتيق تحيطه برندات ضاجة تحمل ما تحمل من أصناف متعددة للبضائع والباعة.. المحال التجارية فيها ممرات تؤجر بالمتر، السوق مازال يجذب المارة ويثير بتنوعه كل راغب ابتداء بالساعات والنظارات، مروراً بالملبوسات ومنها إلى المنتجات الإلكترونية وغيرها من البضائع، (المجهر) سجلت زيارة للسوق الأفرنجي وتحدثت مع أهله فإلي التفاصيل…
سوق العرسان زمان
 وجدناه مكتمل الأناقة يرتدي النقش الأفريقي زياً.. ابتسامة ودودة وقامة فارعة ، تمتد أمامه طاولة تتشكل على سطحها النظارات، إنه العم “بول عبد الستار” من قدامى التجار الذين باعوا واشتروا في برندات (السوق الأفرنجي)، حكى لنا عن بداياته قائلاً: (عام 1984م بديت بالكاميرات وكان معاي شخص من سنار، كنا أول من جلس وباع في هذه البرندات، كان السوق وقتها (سمح شديد) زبائنه من المثقفين والسياسيين والفنانين، وأطلقت عليه العديد من المسميات منها (الخرطوم بالليل) و(سوق العرائس).. وكان معلوم بين الناس أن العريس أو العروس التي لم تجهز نفسها من السوق الأفرنجي ما أتجهزت)، وأضاف: (أغلب البضائع كانت تستورد من أوربا، ومعظم الباعة كانوا أجانب – الخواجات ضيوف السودان، أغاريق وهنود وغيرهم كثير- السوق كان عمران ببضائع منوعة ملابس وكاميرات ونظارات، بالإضافة للبضائع التي اختفت الآن فجأة من السوق مثل المسجلات، وعن الأفرنجي في الثمانينات والتسعينات، قال إنه كان عمران بالبضائع وضاجاً بالزبائن، وحتى 2005م كان حال السوق ماشي، لكن الآن الناس بقوا يقلعوا قلع).
ضيوف السودان هنود ويونان
واصل “بول عبد الستار” حديثه وعلامات التحسر بادية على وجهه: (التجار أتغيروا والسوق اختلف من زمان، في ناس باعوا متاجرهم وعماراتهم وسافروا)، وأخذ يشير عن يمينه ويساره ،متذكراً المحال وأصحابها اليونان والهنود، أو كما يحب تسميتهم – ضيوف السودان – قائلاً: (من المحال القديمة “مومبي بازار” و”الهلالي” و”الناظر”)، والمحل المواجه لمجلسه والذي أمامي مباشرة أسمه “الصالون الأخضر”، وقال: (صاحب هذا المحل كان من آخر التجار الأجانب في السوق اسمه “عبد الستار” من هنود الخرطوم ،توفاه الله، قبل فترة)، وأضاف وهو يرفع إبهامه نحو (أستوديو النيل): (أدركت هذا الأستوديو عندما كان أسمه (أستوديو غردون)، تقريباً، أزالوا اللافتة عام 1984م)، وأكمل ضاحكاً: (كانوا مسمين الأقباط الشغالين في الأستوديو “خواجات”  مع أنهم أصحاب بلد).
مسميات عبر السنين
مر السوق الأفرنجي بعدد من التسميات، فكان السوق الأفرنجي أيام الخواجات، وعندما كثر تجار الجنوب فيه أيام التسعينيت أطلقوا عليه اسم “سوق الجنوبيين” ومن ثم “نيفاشا” ويعود لاسم أحد المحال الكبيرة الذي تزامن إنشاؤه مع اتفاقية نيفاشا، وغيرها من الأسماء.
ما بنقدر نفارق الأفرنجي
السوق الذي كان يمتد سابقاً من شارع البرلمان وحتى جامعة الخرطوم تقلصت مساحته إلى عمارة واحدة وبرنداتها، هذا ما أخبرنا به العم “بول” الذي قال: (بعد رحيل التجار وبيع المحال.. لم يعد السوق كسابق عهده مربحاً.. وعن نفسي ما يسوقوني للسوق هو ولفي وتعودي عليه، عشنا عمرنا كله في البرندات، دي بناخد وندي ونبيع ونشتري ما بنقدر نفارق المكان).
ونحن نجول في برندات السوق، التقينا بالسيد “معتصم عمر” الذي أخبرنا بأنه يتاجر في هذا السوق منذ20  عاماً، باع خلالها كل أنواع الإلكترونيات من كاميرات وهواتف وألعاب، وأضاف متحسراً (زمان كان ثلاثة أرباع الناس بتجي تشتري، الآن الناس عندها شغل، الموبايلات عملت فينا عمايل عجيبة)، وأضاف:(زمان كنا بنبيع مستعمل وجديد، والآن أغلب الشغل مستعمل، عشان الناس مابقدروا إشتروا جديد.. شغل يوم من أيام زمان، في شهر ما بجيك.. ما تسمعوا كلام الناس البقولوا الموسم والسوق، ممكن الانتعاش والحركة الوحيدة البتحصل في السوق، بتكون من الساعة (1-3) صباحاً يوم وقفة العيد، بتهب نسمة خفيفة ،وتاني تختفي).
مشاهير السياسة والفن
من المعالم المميزة للمبنى “أستوديو غردون” سابقاً “النيل” حالياً، أحد أكثر الاستوديوهات عراقة في البلاد، نشأ منذ عشرينيات القرن الماضي، التقينا هناك بالأستاذ “عاطف وهيب” الذي قال: (تسلمت أسرتنا هذا الأستوديو منذ العام 1968م، نعمل في التصوير والتحميض والطباعة، بالإضافة لبيع الكاميرات ومواد التحميض وغيرها من مستلزمات التصوير)، وأضاف: (ألتقطت داخل هذا الأستوديو صور الكثير من مشاهير عالم السياسة والفن والأسر العريقة، مثل أسرة المهدي والميرغني، كنا نصورهم أيضا خارج الأستوديو عند الطلب). هنا أتى صوت من الجانب الأخر للأستوديو كان للسيد: “أكرم كمال” الذي تبدى لنا من خلف الطاولة الكبيرة، قائلاً: (ود الأمين، عبد القادر سالم، شرحبيل، عثمان حسين، مصطفى سيد أحمد، نادر خضر، الكثير من النجوم الراحلين والمقيمين سعدنا بوقوفهم أمام كاميرات هذا الأستوديو)، وزادنا من الشعر بيت العم “بول” الذي قال: (يمر بهذا الشارع الكثير من المشاهير.  قبل أيام كان يجلس بالقرب مني نجم الكوميديا “محمد موسى”، والراحل المقيم “زيدان إبراهيم” ،قبل رحلة استشفائه الأخيرة، التقط صوراً بأستوديو النيل).
تركي.. فتنامي.. أمريكي
كانت لنا وقفة مع أحد التجار الشباب “عبد الله داؤود” الذي قال: (أغلب البضائع بتجي من سوق ليبيا، لكن كل زول بميز بضاعته حسب الجودة ،والدكاكين مقسمة بالمتر، وبندفع الإيجار باليوم، المتر 35 جنيهاً، نعمل شنو ؟مضطرين، السوق متداول ،يجي يوم ويغطي)، وأضاف:( أما البضائع المميزة على سبيل المثال القمصان  فيها التركية والفيتنامية، طبعاً الأفضل الفيتنامية لأنها بتصدر لأوربا وأمريكا، وبتجينا منتجاتهم عن طريق مورد أمريكي، يقتنص فترة التخفيضات ويشتريها كميات ويبيعها لينا)، مشيراً إلى السعر المكتوب (بديباجة) أحد القمصان، والتي كتب عليها (69) دولاراً، وشرح موضحاً أن القميص الذي يباع بهذا السعر بعد التخفيض يصل إلى ما يقارب سعر البيع (140-150) جنيهاً، وهكذا. وختم حديثه قائلاً: (السوق حاله واقف، والحمد لله).
الـ”قوقو” من المستجدات
ونحن نمر  بأحد المتاجر، سألنا البائع عن الأسعار التي كانت مرتفعة، وعندما حاولنا محاججته ، رد قائلاً: (بالأسعار البتقولوها دي إلا تشتروا “قوقو”)، أي الثياب المستعملة التي يكون أغلبها من مغتنيات الموتى، وحسب عم “بول” ،يعتبر بيع الـ”قوقو” من المستجدات على السوق الأفرنجي ،وتفرش خارج البناية. وفي الختام ودعنا عم “بول” ورفاقه بذات الابتسامات التي استقبلونا بها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية