معركة جنيف (2)
إلى متى يقبع السودان تحت سقف العقوبات الدولية والإدانات الأممية والقرارات التي تسيء لسمعته كبلد بين البلدان؟ هل السبب في ذلك يعود حقاً لاستقامة النظام السياسي وطهر قادتنا ووجهتنا لله كما يزعم بعض الناس تبريراً للإخفاقات وتغبيشاً لوعي العامة؟؟ السودان اختار تطبيق الشريعة الإسلامية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكن دولة مثل المملكة العربية السعودية لم تعرف في تاريخها منهجاً غير كتاب الله وسنّة رسوله.. وهي أرض الرسالات، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين.. والأرض التي شهدت صرخة أن لا إله إلا الله.. وأي استهداف للإسلام يصوب للمملكة العربية السعودية قبل البلدان الأخرى التي دخلها الإٍسلام بعد انبثاق ثورة في أرض الحرمين الشريفين.. لكن ما يحدث للسودان بعضه من صنع أبناء السودان في الحكومة والمعارضة وبعضه استهداف سياسي بسبب أقوال السودانيين التي لا تصل مرحلة الأفعال.
في كل عام يخوض السودان معركة البقاء ما بين البند العاشر والبند الرابع وكلاهما يصنف بلادنا ضمن الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق مواطنيها في العالم.. وبالتالي هي تحت وصاية الخبراء المستقلين.. ولمدة عام كامل ظل السودان يقبع تحت البند العاشر “المساعدات الفنية”، لكن حددت مهام واختصاصات المبعوث الأممي أو المفتش الدولي بما يتوافق والبند الرابع.. وبكل أسف كان قرار مجلس حقوق الإنسان أن تقدم منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية المساعدات الفنية للسودان للارتقاء بمفاهيم حقوق الإنسان.. (عقد الورش والسمنارات التدريبية)، لكن المسؤولين عن الملف في وزارة العدل ومنظمات المجتمع المدني لم يستفيدوا إطلاقاً من بند المساعدات الفنية.. لنعود اليوم مرة أخرى لجدل طويل في ردهات قصر الأمم في جنيف وخارجه، هل نبقى في البند العاشر؟ أم (ننزل) إلى أسفل قليلاً ونعود للبند الرابع الذي كنا (نقبع) فيه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى التوقيع على اتفاقية السلام الشامل 2005م، التي حسنت من موقفنا قليلاً؟! بيد أن اندلاع الحرب في المنطقتين زاد من أوجاع البلاد وشوهت مظهرها الخارجي.
قد يقول قائل إن قضايا حقوق الإنسان تمثل ترفاً فكرياً، وسياسياً.. فلماذا تشغل الحكومة نفسها بها؟؟ وقد قالها وزير كبير في حكومة السودان سابقاً، هل جماعات حقوق الإنسان قادرة على إسقاط النظام؟؟ إذا كانت الإجابة لا.. فلماذا نشغل أنفسنا بها؟؟ نعم قضايا حقوق الإنسان لا تسقط نظاماً، لكنها تحرم البلاد من امتيازات تستحقها.. مثل المعونات الاقتصادية والفنية.. والتقانة الحديثة.. وترفض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التعاون مع الحكومات المتهمة بخرق حقوق الإنسان، ولا يستطيع رأس المال الأجنبي الاستثمار في دولة تنتهك حقوق الإنسان وقد تأثرت بلادنا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة.. وكان السودان مع إيران وكوبا من الدول التي تنادي بتعيين خبير مستقل لتقديم تقارير لمجلس حقوق الإنسان عن أثر العقوبات الأحادية التي تفرضها أمريكا على تلك البلدان!! وفي هذا العام بعد تسوية إيران لملفاتها مع الولايات المتحدة يفقد السودان نصيراً مهماً جداً، ليصبح مقاتلاً وحده مع كوبا، وبنما وفيتنام وروسيا البيضاء.. أما إريتريا فهي تقاطع من حيث المبدأ اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وكذلك سوريا وليبيا ما قبل سقوط “القذافي”، ويتم تصنيف تلك الدول بـ(المارقة) على الشرعية الدولية.
خروج السودان من نفق العقوبات والتأرجح بين البنود بيدنا وحدنا.. وإذا تم تجفيف أنهار الدم وتمت التسوية السياسية لقضايا النزاعات في الأطراف وتوقفت الحروب الدائرة الآن، فإن أوضاع حقوق الإنسان ستشهد تحسناً دون شك في ذلك.. لكن هل يستطيع السودانيون إنقاذ أنفسهم مما تصنعه أيديهم؟!