إقالة الرئيس !!
تكاثرت في الأوساط السياسية خلال الآونة الأخيرة ظاهرة قبيحة تكشف عن حالة فوضوية غريبة لا مثيل لها إلا في بلادنا، فقد صار مألوفاً أن ترد إلينا في الصحف بيانات ممهورة بتوقيعات بعض عضوية حزب من الأحزاب (غالباً أحزاب مشاركة في الحكومة)، وتحمل البيانات الصاخبة قرارات بإقالة رئيس الحزب من منصبه (السياسي)، مع مطالبة قيادة الدولة بتجريد المعزول من منصبه (الدستوري) !!
وسلسلة (الفصل) من الحزب المتبوع غالباً بقرارات (فصل معاكس) من الطرف المفصول، لم تبدأ بقائمة إعفاءات السيد “الحسن الميرغني” لعدد من أعضاء هيئة القيادة بمن فيهم المراقب العام للحزب الاتحادي (الأصل) الأستاذ “بابكر عبد الرحمن” المحامي ورئيس القطاع السياسي السيد “طه علي البشير”، مروراً بإقالة الدكتور “التيجاني سيسي” أكثر من مرة إلى أن انقسم حزب (التحرير والعدالة) إلى حزبين، ثم الخروج على “غازي صلاح الدين” باسم (تصحيح المسار) لإصلاح (الإصلاح الآن) فانشقاق مجموعة وعودة أخرى للمؤتمر الوطني !! ولا تنتهي حلقات مسلسل فصل الرؤساء والقيادات بكل يسر في حزب (الأمة المتحد) الذي اجتمعت منه عضوية قبل ثلاثة أيام وقررت إقالة رئيس الحزب الرجل المحترم والسياسي الخلوق “بابكر دقنة” وزير الدولة للداخلية واعتبار تعيينه في المنصب الوزاري باطلاً !! شوف بالله !! هذا عبث وليس سياسة، فحتى لو كانت اللوائح وبنود النظام الأساسي تبيح لهيئة القيادة والمكتب السياسي عزل الرئيس دون حاجة لانعقاد مؤتمر عام، وهذا نادر، وفي حالات محدودة جداً، ولضرورات قصوى مثل المرض الذي يعجز صاحبه عن أداء المهام، أو الإدانة في جرائم شرف وأمانة، أو الغياب المفاجئ بالوفاة، حتى لو كان متاحاً العزل في غير الحالات أعلاه، فإن الحكمة والحنكة السياسية والنظر العميق في مصالح الحزب ومكانته وسمعته، تستوجب عدم اللجوء لخيار إقالة الرئيس بقرارات ارتجالية، والبحث عن خيارات ومعالجات أخرى من بينها تسريع الدعوة لقيام المؤتمر العام للحزب ليحسم هو خلافات القيادات بأصوات وقرار القواعد.
ولعلكم لاحظتم أنني حددت أن أغلب هذه الممارسات تصدر من أحزاب (مشاركة بالحكومة)، وليس ناشطة في المعارضة .. لماذا ؟!
بالتأكيد ليس السبب أن عضوية أحزاب (المعارضة) أكثر نضجاً ومؤسسية .. ومسؤولية، ولكن لأنه ليس هناك ما يصطرعون عليه في المعارضة !!
في أحزاب السلطة، إذا فقد (وزير) أو (معتمد) منصبه وقررت قيادة الحزب استبداله بآخر، فإن الدنيا في الحزب تقوم ولا تقعد، رغم أنها مسألة طبيعية ومن صميم عمل القيادة التنفيذي ومن حقها، فهي أمور لا تستدعي انعقاد مؤتمر عام ولا مجلس شورى، وحتى في (المؤتمر الوطني) الحزب الأكبر في الحكم فإن التشكيلة الوزارية لا تعرض على هيئة الشورى، بل تنحصر في نطاق المكتب القيادي ويكون للرئيس (الفيتو) في الكثير من الترشيحات .
سادتي .. رجاءً توقفوا عن إصدار البيانات النارية، وإعفاء الرؤساء، واسلكوا المسارات الديمقراطية لتحقيق الأهداف بعيداً عن غضبة (وزير) فقد وزارته .. فبكى، أو(رئيس لجنة) بالبرلمان تجاوزه الاختيار فاكتأب، أو (معتمد) استيقظ من نومه فلم يجد نفسه معتمداً .. فأخذ يندب حظه أو آماله، ثم لملم انكساراته وقرر مع آخرين إقالة رئيس الحزب !!
كل المناصب زائلة.. لا تبكوا عليها.