زينب: (حبة عدس ما تسوي شئ)!!
الحياة كفاح ونضال، وكثيرون من تعصف بهم الظروف، ولكنهم لا ينحنون، بل يصمدون ويجتهدون من أجل العيش الكريم، ومجتمعنا ملئ بالكادحين والمتعففين، والواقع الماثل يكشف أن النساء هن الأكثر كفاحاً ومعاناة، إذ يعملن في ظروف صعبة وقاهرة لتوفير أبسط سبل الحياة لأسرهن وأبنائهن، وهن راضيات بقدرهن المحتوم آملات في واقع أفضل لا محالة.
(المجهر) سجلت في زيارة خاصة لامرأة لم تتجاوز العقد الثالث من عمرها، لكنها تمثل أنموذجاً باهراً للكفاح والمثابرة والصمود، لأنها استطاعت التغلب على معاناتها بعزيمتها القوية، وإيمانها بقيمة حياتها وحياة أبنائها الذين لم يتجاوزوا سن الطفولة بعد، ومازالت تواصل المسير فالطريق أمامها طويل.
إنها الأرملة الشابة “زينب عثمان محمد” التي وجدت نفسها وحيدة لأكثر من عشرة أعوام، ورفضت أن تمد يدها لطلب الصدقات بعد رحيل زوجها تاركاً لها أربعة أبناء، تستحق أن يعرفها الجميع، لكي يحذون حذوها ويتخذونها مصباحاً ينير لهم الدرب، ويبدد الظلمة.
قصة معاناة
تقول “زينب” إن معاناتها في رعاية أسرتها بدأت منذ أن ترك زوجها العمل جراء لدغة ثعبان كانت كفيلة بإلزامه الفراش الأبيض لأكثر من ثلاث سنوات، عانى فيها ويلات (السُم) اللعين، وظلت هي ترعاه بجانب الصغار، فلم تتذمر وتستسلم، القدر جعل منها أباً وأماً في آن واحد، وهكذا مضت السنوات إلى أن توفى الأب، فقامت هي بكافة مسؤولياته، توفر لقمة العيش وتقوم برعاية أطفالها، وقررت القيام بهذه المهمة الشاقة وحدها ورفضت كل عروض الزواج، خوف حرمان أبنائها من حنانها، فلن يكون لهم أحد مثل الأب الحقيقي.
الهجرة من الشرق
بعد وفاة الزوج ظلت تقيم بين أهلها في مسقط رأسها كسلا، وعملت في العديد من الأماكن تأخذ أجراً بسيطاً لا يكفي لقوت اليوم، فتنقلت بين عيادات الأطباء والشركات (فراشة) متفانية في عملها بجدٍ وإخلاص، إلى أن تركت سيرة حسنة وعلاقات جيّدة هناك، ومع مرور الأيام وصعوبة العمل في كسلا، وتزايد حاجات أبنائها خاصة أن من بينهم طفلين مصابين بأمراض مزمنة الأول عمره (15 سنة) مريض بالكلى، والثاني (12 سنة) يعاني من السكري الذي تمكن منه تماماً، أما ابنتها الكبرى فلم تتخط الـ(17) من عمرها، وكلهم – عدا أصغرهم – يتأهب الآن لدخول المرحلة الثانوية بعد أن حقق نجاحاً باهراً في مرحلة الأساس، كلهم لا يدرسون. وبعد أن ضاقت بها كسلا ذرعاً، جاء إلى الخرطوم واستأجرت غرفة صغيرة بـ”الفتيحاب” لا تكاد تسعها هي وأولادها الأربعة، وبدأت تبحث عن عمل من جديد.
تواصل “زينب” حديثها قائلة: أخذت شهادات أبنائي واتجهت إلى (ديوان الزكاة) لعله يساعدني في إخراج أبنائي من الفقر والمرض، وبدأت أركض نحو الجهات المسؤولة إلى أن تم منحي منزل بغرفة ومطبخ ودوره مياه، بالوادي الأخضر السكن الشعبي “المُخصص للأيتام”، فأراحني من رهق الإيجار، لكنني لم أتوقف عن العمل، فقط يزعجني بعد المسافة، وصعوبة المواصلات.
فصل أسبوعي من العمل
تعود “زينب” وبنتها الكبرى (17 سنة)، لم تكمل تعليم الأساس، كل يوم إلى منزلهما آخر المساء وبحوزتهما بضعة جنيهات نظير عملهما اليومي، عملتا معاً في مصنع للمشروبات الغازية بالمنطقة الصناعية ببحري لسنوات مقابل(70) جنيهاً للأسبوع الواحد، ولم يتم (تثبيتهما) كبقية العمال رغم العمل المضني والشاق الذي تؤديانه، فكان المصنع يفصلهما عن العمل يوم الخميس من كل أسبوع ليعيد تعيينهما “السبت” حتى لا تدخلان التأمين، بحسب “زينب”.
من جهتها تقول البنت (فضلت حجب اسمها): إن أمها والدة مثالية، نذرت نفسها لتربيتهم بينما لا تفارق البسمة شفتيها، وأنها ظلت تُضحي بعمرها كله من أجلهم، فكانت تهتم بوالدهم وهو مريض إلى أن توفاه الله، وعملت فراشة رغم اعتراض أهلها وأدخلتهم المدرسة جميعهم لكنهم خرجوا منها بسبب عدم توفر الرسوم. وأضافت: أرغب في مواصلة تعليمي إذا ما تحسنت الظروف، وأردفت بنبرة حزينة: رفضت كل عروض الزواج، لأنني أريد أن أساعد أمي وأخواني المرضى.
أرفف وسلع
وبعد سنوات سخرَّ الله بعض الخيرين لـ( زينب) وأبنائها فبنوا لهم غرفة تطل على الشارع للاستفادة منها كـ( دكان) يصبح مشروعاً تديره الأسرة وتستفيد منه دون أن تمد يدها لإنسان، لكن إلى الآن لم يكتمل تأثيث الأرفف و(البنك)، كما أنهم يحتاجون لبعض البضائع البسيطة، وبعض الدعم قد يجعل “زينب” وأولادها في حال أفضل وربما يعود أبناؤها إلى المدارس، فمن منكم يستدعي “نجاراً” لعمل الأرفف، ومن يضع عليها شوية عدس وملح وصابون، وجركانة زيت!! فيجد عند الله رزقا.