عطلة الجمعة بين التجوال على شارع النيل والاستجمام في المنتجعات السياحية
البعض يفضل الانزواء في المنزل
المجهر – يوسف بشير
كانت “نوال” تعد طعام الإفطار دون أن يشغل ذهنها شيء، فجأة سألتها طفلتها ذات العشرة سنوات (يا ماما الليلة نمشي ناس عمو “إبراهيم” عشان يمشوا معانا للمنتزه)، اندهشت الأم من قرار صغيرتها، فأجابتها (القال ليك منو)، فما كان منها إلا أن ترد في براءة (شفتهم في المسلسل)، حسبتها الأم سانحة لطردها، فقالت لها: (أمشي من قدامي شوفي ليك مسلسل تاني أحضريه وخليني أتم ملاحي)، خرجت صغيرتها وعلامات الحزن ترتسم على وجهها الملائكي، بيد أن “نوال” استرجعت حديثها، وقبل أن تضع (حلتها من البوتاجاز) قررت تنفيذ رغبة صغيرتها علها تسعد بالدفء الأسري والمرح الطفولي. وعلى النقيض من تلك الأسرة جمع “خالد” أبناءه الثلاثة وقرر زيارة شيخ الطريقة التي ينتمي إليها.
تنوع في الوجهات
إذا حاولنا إجراء استطلاع حول أين تقضي الأسر عطلة الأسبوع نجدها تتوزع بين التجوال في شارع النيل والمنتزهات والتسوق والزيارات العائلية، وبخصوص الأخيرة يتساءل “محمد عبد العاطي”، موظف، لما تحرم الأسر أطفالها من المشاعر العائلية الجميلة؟ وحذر من عواقب قطع صلة الرحم ودعا خلال حديثه لـ(المجهر) لعدم الركون للمبررات المتعلقة بصعوبة التواصل في العصر الحالي، وناشد من لم يصل أرحامه بالوقوف مع أنفسهم وقفة تدبر. وعلى النقيض تماما من “عبد العاطي”، التقينا “هاجر” وهي تتسوق رفقة أطفالها وزوجها داخل مركز (عفراء للتسوق) الجمعة الماضية، سألناها عن المكان الذي تفضله أسرتها لقضاء العطلة فقالت: اجتهد في قضائها خارج حوائط شقتي بالتسوق وشراء مستلزمات أسرتي، وأضافت هنا صغاري يمرحون بسعادة.
وغير بعيد عن رأي “هاجر”، كن ثلاث فتيات يرتدن ملابس أنيقة لا تخلو من ألوان صارخة يتسكعن خلال الشريط الأخضر المحيط بشارع النيل، العشب يعيد للنفس صفاءها، كهذا قالت أولهن، فيما أضافت الثانية أننا طالبات نقطنِّ السكن الداخلي لجامعة الخرطوم (داخلية الزهراء)، وزادت الثالثة، نفضل قضاء العطلة في التنزه، فارقتهن والبسمة مرتسمة على وجوههن، وما أن خطينا خطوات حتى وجدنا “فاطمة” و”موسى”، متزوجان حديثاً، اقتحمنا خلوتهما وبادرنا بسؤالنا، فأجابت والفرحة تشع من عينيها نحن اتفقنا قبل الزواج بقضاء عطلة الأسبوع الأول في مكان عام لنعيد ترتيب ذاتنا والثاني مع أسرته والثالث مع أسرتي والرابع في منزلنا.
ذات المنوال
يرى “خالد إدريس”، مهندس، أن اصطحاب الأسرة لقضاء العطلة الأسبوعية خارج جدران المنزل يعيد إليها الصفاء الذي تفتقده بعض الأسر، وقال للصحيفة: درجت منذ فترة على تناول وجبة الغداء في شارع النيل، قبالة (حوش السمك) في أم درمان (منتجع السرف)، وأضاف تقوم زوجتي بإعداد الوجبة بالمنزل ومن ثم نتحرك قبل وقت كافٍ حتى نجد مكاناً نظراً للإقبال الشديد من العائلات وشلل الشباب. ويعتقد “إبراهيم”، عامل، أن أبناء جلدته لا يولون ترويح النفس اهتماماً يستحق، رغم وجود الكثير من أماكن الاستجمام داخل الخرطوم، خاصة وأن عناق النيلين، الأبيض والأزرق، في المقرن ليشكلا نهر النيل يعد من أهم ميزتها، وقال (في ظل لهثنا وراء لقمة العيش، يجب علينا أن نستجم شوية).
أحمد – المقيم العربي ـ رجل الأعمال، أبدى حرصه في الخروج كلما سنحت له الفرصة رفقة زوجته وابنه، وقال لـ(المجهر)، إنه يلتقط الفرح من وجوه السودانيين المقطبة الجبين، بخاصة أطفالهم المرحين، وذكر أن طفله، ذو العامين، يجاري الأطفال في لعبهم هنا، رغم أنه لا يجيد إلا القليل من مفردات التخاطب، وباح لنا أنه لولا الفرح المتدفق من وجه صغيره حين يكون في الحديقة لما خرج من المنزل إطلاقاً.
انزواء مبرر
وعلى النقيض تماماً تفضل بعض الأسر الانزواء بين حيطان منازلهم، فيما تتهيب أخرى لاستقبال الضيوف، سيما وأن السودانيين في عرفهم الاجتماعي لا يتوعدون في الزيارات العائلية، فقط يفاجئك بقدومه، يقول “بشير”، موظف حكومي، إنه يفضل قضاء العطلة في منزله، بيد أنه ذكر أنه أحياناً يزور أهله، وبخصوص التنزه قال: (كبرنا، أحسن نقضي باقي عمرنا في دوحة القرآن)، وذكر أنه لا يمانع إذ أرادت أسرته قضاء العطلة في أي من المنتجعات، شريطة أن لا يذهب معهم، فيما ذكرت “فاطمة”، ربة منزل، أنها تعودت منذ صغرها أن لا تخرج، إلا أنها عادت وقالت: في الشهر أخرج ثلاث مرات لزيارة أخواتي ليس من بينهم (الجمعة)، فإنها تفضل أن تقضيه مع زوجها وأبنائها.