رحيل "خالدة زاهر سرور" أول طبيبة سودانية
بعد تاريخ حافل بالعطاء الإنساني والنضال الوطني
المجهر- ميعاد مبارك
غيمة سواد غطت سماء البلاد، أعلنت رحيل الدكتورة “خالدة زاهر سرور” أول طبيبة سودانية وإحدى أهم رموز العمل النسوي والنهضة العلمية في البلاد، والتي فارقت الحياة صبيحة أمس (الثلاثاء) عن عمر يناهز الـ”88″ عاماً.
ابنة الأسرة الأم درمانية
في مدينة “أم درمان” العظيمة، التي تنجب العظماء، خرجت “خالدة” إلى الحياة في التاسع عشر من يناير لعام 1926م، ابنة بكر لسيدة محبة للعلم والمتعلمين رغم عدم قدرتها على فك الحرف، ولوالد عسكري شجاع ألا وهو “زاهر سرور الساداتي”، الضابط بالجيش السوداني وقائد الفرقة السودانية، التي تطوعت لمساندة فلسطين في حرب عام 1948م، وهي أخت لتسع أخوات وتسعة إخوان.
كان تعليمها ثورة
بتشجيع وإصرار من والديها بدأت تعليمها بخلوة “الفكي حسن”، في حي “الموردة” بأم درمان، ثم تلقت التعليم (النظامي) الأولي والأوسط والثانوي بمدرسة “الاتحاد العليا”، في العام 1946م تم قبولها مع رفيقتها السودانية، ذات الأصول الأرمنية “زوري سركسيان”، كأول طالبتين بـ(كلية كتشنر الطبية)، وهنا حدثت جلبة كبيرة في الحي، حيث قام رجال المنطقة بزيارة والدها طالبين منه منعها من مواصلة تعليمها الجامعي في جامعات مكتظة بالرجال، إلا أن الوالد رفض طلبهم بشدة، وقالها بشموخ (بنتي لو عجنوها بمية راجل عجنتها براها)، توالت السنوات، و”خالدة” تثبت أنها على قدر الثقة حتى تخرجت وزميلتها “زوري” في عام 1952م، لتنال بذلك لقب أول طبيبة (مشترك) لامرأة في تاريخ السودان.
“خالدة” الأم والزوجة
تزوجت قبل تخرجها من رفيق دربها المرحوم الأستاذ “عثمان محجوب”، أحد مؤسسي حركة اليسار في السودان، وكان نصيبهما من الذرية فتاتين “مريم” و”سعاد”، وصبيين هما “أحمد” و”خالد” ربتهما مستصحبة مبادئها في الحرية والأخلاق لتنضج الثمار إبداعاً وتفوقاً في كافة ضروب الحياة.
أم الحيارى والمساكين
تدرجت “خالدة” في العمل كطبيبة بوزارة الصحة، حيث كان مجال تخصصها “الصحة العامة”، فشاركت في العديد من المؤتمرات الطبية داخل وخارج البلاد، كانت عيادتها في شارع “المهاتما غاندي” بـ”أم درمان” (شارع الدكاترة)، ملاذاً لكل النساء المسكينات اللائي لا يملكن أجرة الكشف، حيث كانت تتبرع بعلاجهن مجاناً.
السيدة القائدة
كانت سيدة نشطة جداً في الحقل السياسي ومقاومة المستعمر، رفعت صوتها عالياً وخرجت في العديد من المظاهرات، انتظمت في عضوية الحزب “الشيوعي السوداني”، وهي طالبة وعملت في النشاط السري والعلني، كان لها نشاط سياسي واضح بالجامعة، وشاركت في قيادة اتحاد الطلاب في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وقادت مظاهرة “نادي الخريجين” الشهيرة 1946م ضد الجمعية التشريعية حيث تم اعتقالها.
كانت الدكتورة “خالدة” من مؤسسات وقيادات “الحركة النسائية السودانية”، فقد كونت مع “فاطمة طالب إسماعيل”، أول تنظيم نسائي في السودان، باسم “رابطة الفتيات بأم درمان” وذلك عام “1946”م، أضف إلى ذلك أنها كانت من العشرة الأوائل اللائي أسسن “الإتحاد النسائي السوداني” عام 1952م، لتتولى رئاسته في أواخر الخمسينيات. وكان لها باع طويل في النضال من أجل حقوق المرأة السودانية، إلى جانب ذلك كانت عضواً مؤسساً لـ(هيئة نساء السودان الشعبية)، وشاركت في العديد من المؤتمرات المحلية والعالمية في أصعب الظروف، كمؤتمر السلام على سبيل المثال، وأخيراً وليس أخراً، هي عضو مؤسس لـ(جبهة الهيئات)، التي تكونت إبان ثورة أكتوبر عام 1946م.
وسام على صدر الأمة
نالت “خالدة” عدداً من الأوسمة وكرمت في عدد من المحافل، قامت إدارة جامعة الخرطوم بتكريمها ومنحها الدكتوراة الفخرية عام 2001م، كما كرمتها منظمات المجتمع المدني في عيدها الثمانين عام 2006م. عاشت دكتورة “خالدة” رمزاً من رموز الحركة النسوية والوطنية، خدمت الوطن الذي أحبته وقدمت الكثير لتكون وساماً عظيماً و(نوط) شرف معلقة على صدر السودان. نسأل الله لها الرحمة والمغفرة بقدر ما قدمت لوطنها وللإنسانية.