رغم تأثيرات الحرب مدينة "الدمازين" تهدي ضيوفها عسل النحل
يا عسل رايق مصفى بالقليل منك بنشفى
الدمازين – سيف جامع
مناخات السودان المتعددة أكسبتها ميزة فريدة في تنوع الخيرات والنعم التي لا تحصى، ومن بينها إنتاج عسل النحل الذي اشتهرت به ولاية “النيل الأزرق” وبه تحولت إلى مركز لتسويق العسل بكل أنواعه، ويصنف العسل أو الشهد كترياق شامل لعدة أمراض، وقد ذكر في القرآن الكريم في سياق ما ينعم به أهل الجنة،
قال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)، كما ذكر بغير لفظ العسل في سورة النحل (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وأيضاً ذكر في بعض الأحاديث بأنه من الأدوية الناجحة.
وقد شهدت تجارة العسل بمناطق “النيل الأزرق” انتعاشاً كبيراً قبل أن تتراجع أخيراً تحت تأثير الحرب، حيث انخفض الإنتاج كما يروي “الطيب مكي عبد الله” صاحب محل (وادي النحل للعسل) بسوق الدمازين، ويعتبر العسل بالسودان ذا أهمية غذائية نسبة لخصائصه المتمثلة في طعمه ولونه ورائحته، وقد تغنى الفنان “عبد العزيز المبارك” (يا عسل رايق مصفى.. يا عيون كاتلانا إلفه.. فيك شفا للناس ونحنا بالقليل منك بنشفى).
ويصنف صاحب مركز (وادي النحل) أنواع العسل، البلدي وهو الأكثر طلباً والحبشي الذي يجلب من دولة أثيوبيا المجاورة، و”شهد العسل وعسل السدر، والعسل الحبشي الأبيض”.
ويؤكد “الطيب مكي” أن أفضل نوع هو عسل السدر، حيث تتغذى النحلات التي تنتجه على شجر السدر الذي أيضاً هو مبروك وذكر في القرآن الكريم.. ويورد عسل السدر من منطقة “كبم” أقصى ولاية جنوب دارفور، أما العسل البلدي فأنواعه كذلك كثيرة ويتركز إنتاجه بولاية “النيل الأزرق”، ومن أنواعه عسل “برم” و”النوار” وينتج في منطقة “الكرمك” و”شالي” و”يابوسي” حيث كثافة الغابات.. أما في جبال الأنقسنا، فهنالك إنتاج لكن ليس بكميات كبيرة حسب “الطيب مكي”.
ومن الخصائص التي لا يعرفها الكثيرون فإن العسل الذي ينتج قرب البحر يختلف عن عسل البر ويؤكد ذلك صاحب مركز (وادي العسل) قائلاً: النحلات التي توجد قرب البحر ترد يومياً للماء وعسلها يكون خفيفاً لكن النحلات البرية بخلاف ذلك.
واستطاعت محلات بيع العسل بمدينة “الدمازين” اكتساب زبائن كثر من ضيوف المدينة والزوار، فضلاً عن الطلبات الخاصة من بقية الولايات.
وتحسر عدد من منتجي العسل بـ”النيل الأزرق” على انخفاض الإنتاج في الفترة الأخيرة نسبة لعوامل الحرب وتحولت معظم المحلات التي تبيع العسل الحبشي وعسل يابوسي وضواحي الكرمك لبيع أغراض أخرى، كما أن الرعاة الذين كان يوردون الإنتاج إلى الأسواق قد توقفوا.
ويشير صاحب مركز (وادي النحل للعسل) وكذلك إلى أن العسل يعالج عدداً كبيراً من الأمراض لكن شريطة أن يكون معه مرادف مثل زيت الحبة السوداء أو القرفة واللبن ولابد أن يكون للعسل نكهته التي تميزه.
وبفضل ممارسته مهنة تجارة العسل تمكن التجار من معرفة العسل وجودته ومدى التلاعب فيه، ويحكي “الطيب مكي” أنه إذا أخذ جرعة من أي عسل يدرك أين أنتج وهل أصلي أم لا، ويضيف: العسل المغشوش عندما يضاف إليه الماء تظهر علامة الخلية، كما أن له مذاقاً مختلفاً ويكون ساخناً على اللسان، أما العسل غير الأصلي فإنه يؤدي إلى حموضة عالية، والمواصفات وفرت لنا جهازاً لفحص العسل والتحقق من جودته، ومن أشكال الفحص هنالك الثلاجة، فعندما يوضع في (الفريذر) فإنه لا يتثلج ويجمد بل يتحول إلى كتلة، كما أن العسل لا تنتهي صلاحيته فى (5) سنوات إلا إذا أضيفت إليه مادة أخرى.
كما أن تصفية العسل “قلع النحل” بالأيدي يمكن أن يتلفه، وينبه “الطيب مكي” إلى أن العسل به ميزات وسر كبير فهو يصلح لتحنيط الجثامين، وقد تحدثت أبحاث عن أنه استخدم سابقاً في تحنيط الجثث، وما أريد أن أؤكده أن العسل لا يسمم أبداً، وقيمته وجودته ترجع إلى كيفية تصفيته والمعدات التي استخدمت، وفي نهاية حديثه دعا “الطيب مكي” المواطنين إلى تناول العسل بدلاً عن الإقبال على العلاج البلدي، منوهاً الى أن جرعة واحدة ربما تكفي لشفاء مرض عضال.