الديوان

(حلة التنبل).. (الفاريك).. (الفنادك).. (المقاصيص).. (القرقريبة)

أوانٍ وأدوات منزلية تصارع من أجل البقاء
الخرطوم – أسماء علي
تراصت محلات الأواني بالسوق الشعبي أم درمان بشكل مرتب وتنافس أنيق في طريقة العرض التي تدعو كل المارة للوقوف للسؤال فقط إذا لم تكن لديهم رغبة الشراء، ولكن هذه التشكيلة كانت سبباً لتجعل وجود محل خصص لأدوات المطبخ السوداني القديم يبدو غريباً وأكثر إلحاحاً فلا تجد نفسك إلا وأنت بداخله تتأمل في دهشة وإعجاب لا ندري هل هو الشوق إلى تراثنا الذي اندثر وطغت عليه الحداثة بكل ما تحمل من سرعة أم أصبحت بعض أدوات المطبخ لافتة للأنظار بعد اختفائها فهي بطيئة.
ربات البيوت وإيقاع الحياة
فإذا قمنا بمقارنة سريعة، فإن الوقت الذي يأخذه (الفندك) في سحن أي شيء الخلاط ينجزه في ربع هذا الوقت، ولكن رغم قلة سرعتها كانت تتماشى وإيقاع الحياة في السابق، فربات البيوت لم يكن مشغولات بشيء غير المطبخ، فإذا أخذ كل يومهن لا يشكل هذا مشكلة بالنسبة لهن، ولكن الآن تعود المرأة العاملة أو الموظفة بعد يوم عمل طويل يحضرن إلى المنزل قبل وقت الوجبة بساعات قليلة، لذا لابد من إتباع الطرق السريعة لإعداد الطعام، وهذا مع جعل الأواني والأدوات المنزلية القديمة تختفي من المشهد.
قلة الطلب والرزق (تلاقيط)
 صاحب المحل “الصادق آدم” الذي جلست إليه (المجهر) قام باختيار المكان بعناية ولكن حديثه كان حزيناً وهو يشكو من قلة الشراء وغلاء الإيجارات وجبايات المحليات، إضافة إلى منافسة الغاز للأدوات المنزلية الحديثة، فقال إن العروسات هن الزبونات الأساسيات إلا أن الزواج قل إذا لم يتوقف بسبب الظروف الاقتصادية فأصبح (عيد الأضحى) هو الموسم الوحيد للشراء مثل هذه الأواني والأدوات وبعده يكون الرزق (تلاقيط)، وأضاف أنه لا يقوم بصنع هذه البضائع بل يشتريها فكلفة الترحيل من مناطق بعيدة، إضافة إلى أن (الصنايعية) يرفعون الأسعار بسبب قلة الطلب، ولكن السوق أحياناً يفاجئنا بزبائن لم يكونوا في الحسبان من بينهم السياح الأجانب من الدول الأوربية والعربية وبعض السودانيين المغتربين.
أسعار الأدوات المنزلية العتيقة
وعن أسعار البضائع حدثنا “الصادق” بالتفصيل بداية بـ(المفاريك) قال إن سعرها يتراوح بين (18_180) للدستة وهذا الفرق الشاسع حسب نوعية الخشب المصنوع منه، أما (فندك المطبخ) فهو أعلى سعراً من الذي خصص للبن فهو (20_50) للواحد، فيما يتراوح فندك البن (15_45) ومنه إلى توأمة (المدق) الذي يباع (15_25) وعن المنتجات الحديدية تباع دستة (السكاكين) بـ(24_60) حسب حجمها، ودستة مفرمة الخدرة (60)، أما (الكمش) أو (المقاصيص) تباع الدستة ابتداء من (36). وحتى (مباخر السلوك) لها مكانة في هذا المحل فهي تباع (18) للدستة، أما (القرقريبة) والتي حل (الاسكراتش) محلها تباع دستها (18)، ولكن يبدو أن هناك من لم تجر عليه الأيام ولم تقلل من مكانته (حلة التنبل) ورغم قدم تاريخها إلا أنها تحتل عرش الأسعار وبفارق كبير، حيث تصل أكبرها حجماً إلى (1200) جنيه، وقال “الصادق” إنه لا يضع أرباحاً كثيرة فقط ما يوفر له حق الإيجار ومنصرفات بيته في محاولة لتسهيل وتخفيف تكاليف المعيشة التي أصبحت هاجساً للجميع.
للأشياء التراثية القديمة مكانة خاصة
وعن سر بقاء أواني ومعدات المطبخ السوداني القديمة رغم التغييرات التي حدثت للمطبخ كان لنا لقاءً سريعاً مع واحدة من السيدات اللائي عاصرن المطبخ السوداني القديم (التكل) وعايشن زمن الحداثة الحاجة “نفيسة التجاني خالد” ربة منزل تسكن امتداد الدرجة الثالثة مربع (10) التي بدأت حديثها معنا والحنين يعود بها إلى مطبخها القديم ويغمرها الشوق إليه، فقالت: للأشياء التراثية القديمة معنى ومكانة خاصة الأواني والأدوات المنزلية رغم أن تطور الحياة حاربها بكل قوته ولكن لم يفقدها قيمتها، وأضافت قائلة: يا بتي (المفراكة) و(الفندك) أي شيء يتعمل بهما عندو طعم براهو خاص ومختلف هسي التوم كان دقيتهو بالمدق  أكيد طعمه ونكهته أفضل من المسحون بالخلاط أو البشارة كمان الخضرة المفروكة تحافظ على لزوجتها وطعمها كان قارنتيها مع المخلوطة بالخلاط التي تبقى ناعمة لكن بدون طعم، وأنا هسي لو عملت نفس الوجبة واحدة في المطبخ القديم والتانية في المطبخ الحديث  أول ما تتذوقيها بتعرفي الاختلاف لأنه الكانون (بنجض) الأكل سمح أي يجعله يستوي، كما أنه يعطي الأكل طعمه الحقيقي، لكن يا بتي هسي البنات مستعجلات أي حاجة في دقائق وبرضو كمان الظروف الاقتصادية ليها أثر، شوال الفحم وصل (100) جنيه والأنبوبة (30) والأدوات والأواني القديمة أضحت لا تتناسب مع المطبخ الحديث. وختمت الحاجة “نفيسة التجاني” حديثها بوصية حيث قالت: حتى نحافظ على ارثنا القديم أوصي بنات وأمهات الزمن دا بالاهتمام والارتباط بكل أشيائنا القديمة وذي ما بقول مثلنا السوداني (النسى قديمو تاه).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية