الديوان

شباب العالم يتحدون ظلمات الفضاء إلى المريخ!…

في رحلة ذهاب بلا عودة
الخرطوم – ميعاد مبارك
يبدو أن سكان الأرض حصلوا على ما يكفي من الخبرات الاستعمارية على سطحها وملوا تكرار تضاريسها وشخوصها، فقرروا إزهاق روح الملل ورفع سقف طموحاتهم عبر تحدي ظلمات الفضاء، حيث تجري الاستعدادات لإطلاق أول فوج من المجندين (الأرضيين) لإقامة مستعمرة بشرية ثابتة على (الكوكب الأحمر)، ما سبق ليس مقطعاً افتتاحياً لفيلم (خيال علمي) بل إصدارة واقعية لـ(بنات أفكار) علماء الفضاء، حيث تبلغ كلفة رحلة واحدة منها فقط أكثر من ستة مليارات دولار وتهدف إلى استعمار المريخ… معاً إلى تفاصيل (الغزوة)…
مستعمرة بشرية ثابتة
أطلقت مجموعة “مارس وان” أو “المريخ 1” الهولندية قبل أكثر من عام مشروع “المستعمرة البشرية الثابتة” على سطح المريخ، وفتحت باب التطوع للسفر في رحلة مجانية هي الأولى من نوعها، لمدة سبعة أشهر- ذهاب بلا عودة – إلى (الكوكب الأحمر) الذي تصل درجة حرارته إلى أكثر من “63” درجة مئوية ويمثل “ثاني أكسيد الكربون” “95%” من هوائه، ظن الجميع أن هذا ضرب من ضروب “جنون الخيال العلمي”، وأن لا أحد سيلقي بنفسه في مثل هذه التهلكة، لكن المفاجأة أن أكثر من مائة ألف تطوعوا لهذه المهمة، مما منح إدارة “مارس وان” الفرصة لانتقاء أفضل أربعين مرشحاً تم إعلان أسمائهم قبل أيام بعد معاينات وفحوصات ودراسات شملت أدق وأصغر تفاصيل حياتهم، ليتم تأهيلهم وتدريبهم خلال العشرة سنوات المقبلة في كل المجالات بأفضل الجامعات والدور العلمية والتدريبية العالمية حتى الحصول على درجة الدكتوراة، استعداداً لرحلاتهم المقرر أن تبدأ عام “2022”.
خطوة تالية منطقية
قال “باس لانسدورب” رئيس مجلس إدارة مجموعة “مارس وان” الهولندية لوكالة فرانس برس – بعد انتهائه من تقديم أول محاضرة جمعته بالمتطوعين – (إن إقامة مستعمرة ثابتة على المريخ يعني أن الأشخاص الذين سيذهبون إلى هناك لن يكون بإمكانهم العودة إلى كوكب الأرض)، وأضاف (صحيح أن الأمر يبدو غريباً، لكن علينا أن لا ننسى أنه في تاريخ الأرض، هناك الكثير من الأشخاص الذين غادروا أوطانهم وعائلاتهم إلى غير رجعة… الآن نحن أمام خطوة تالية منطقية.. المغادرة إلى المريخ دون إياب)!.
العربي الوحيد على سطح المريخ
ألاف الشبان العرب تقدموا بطلبات للتطوع في هذه الرحلة، إلا أن تصفيات ومعاينات “مارس وان” أفضت إلى أن العربي الوحيد المطابق لمقاييسها واعتباراتها هو موظف شركة التأمين المصري “محمد سلام” (32 سنة)، وعن كيفية تقديمه في المسابقة، قال “محمد سلام” في عدد من المقابلات التلفزيونية والصحفية إن اكتشافه لهذه الرحلة كان عن طريق الصدفة، عندما كان يتصفح الإنترنت في عام 2013، فوجد إعلان “مارس وان”، التي طلبت متطوعين للذهاب إلى المريخ دون عودة، فلم يستطع مقاومة هذه الفرصة التي مثلت حلم الطفولة على حد قوله (كان حلمي أن أصبح رائداً للفضاء وأن أقوم باكتشافات علمية كبيرة في هذا المجال). وعن كون الرحلة بلا عودة، أوضح “سلام” أنه لم يتم اكتشاف تكنولوجيا للرجوع من المريخ بعد، بل يوجد فقط تكنولوجيا للذهاب إليه بلا عودة، ورد على من أتهمه بمحاولة الانتحار قائلاً: (كل شخص له عمر، فإن لم أسافر فيمكن أن أموت لأي سبب هنا، ولو أردت الانتحار لقفزت من فوق بناية أو غير ذلك، أنا لم أقدم على هذه الخطوة بسبب مشكلات أواجهها، وأنا محب للحياة ولا أريد الهروب منها، ومن شدة حبي لها أسعى لأن تستمر في كوكب آخر غير الأرض، وأرغب في الاستقرار على الكوكب الجديد والزواج وإقامة أسرة هناك).

مخاطر مرتقبة
هذه الرحلة ستنهي لا محالة حياة المتطوعين تباعاً بدءاً من اليوم الثامن والستين، اختناقاً بحسب دراسة قدمتها جامعة “ماساشوستس الأميركية”، حيث أكد الباحثون أنه لن يكون بإمكان المتطوعين العودة إلى الأرض، لأن تقنية الإقلاع من كوكب المريخ ذي الجاذبية الكبيرة مكلفة كثيراً ولم يتم التوصل إليها بعد، إضافة إلى أنه كوكب قاحل يتمتع غلافه الجوي بكثافة عالية لغاز ثاني أوكسيد الكربون، ويصل متوسط درجة حرارته لـ(63) درجة مئوية.
سألت (المجهر) عينة عشوائية من الشباب عن رأيهم في مثل هذه الرحلات، وهل يمكن أن يتطوعوا في رحلة ذهاب بلا عودة إلى المريخ؟…
“سلفي” المريخ!…
“فاطمة علي” الطالبة بكلية “الأشعة الطبية” عبرت عن حماسها الكبير للفكرة متسائلة إن كانت فرص التقديم مازالت مفتوحة! مؤكده أنها لو علمت مبكراً كانت ستكون من أوائل المقدمين لهذه المغامرة التي وصفتها بالمهمة. وافقتها “هند محمد” الرأي قائلة (كنت متابعة لهذا الحدث وأكيد لو سنحت لي الفرصة كنت سأتقدم لمغامرة مثل هذه لكن التصفيات كانت قوية جداً والشروط صعبة)، مضيفة (بالنسبة لموضوع أنهم سيموتون فهذه ليس بإشكالية لأنو مافي زول بيموت ناقص عمر، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، بنفس الحماس رد “أبو بكر أرباب” قائلا: (ستكون مغامرة ظريفة)، لتعقب “مروة” على كلامه ضاحكة: (أنا بمشي معاهم عشان أخد “سلفي” المريخ)، خالفهم “وائل عمر” الرأي مستنداً إلى أن الله أمرنا بأن لا نؤدي بأنفسنا إلى التهلكة، ووافقته الرأي “رؤيا” دون أن تخفي حماسها قائلة: (انتحار بصورة مشوقة ما أكتر). كان ختام استطلاعنا مع تعليق طريف لـ”ريم أسامة” التي قالت ضاحكة: (هو نحن قادرين على السخانة الهنا عشان نمشي مكان أحر، الناس ديل حقوا يفتشوا ليهم مكان بارد وهواء منعش مش حر وهواء ذاته ما فيه)، ساخرة (خليهم يمشوا براهم).
الأبطال المنقذون وحروب الفضاء
أكثر من مائة ألف تقدموا لهذه الرحلة وعدد مقدر من الشباب الذين إستطلعناهم أعجبوا على الأقل بالفكرة، مما جعلنا نتوجه مستفسرين من الاختصاصية الاجتماعية “شادية زكريا” عن سبب قبول وإقبال الشباب على مثل هذه الرحلات الغامضة النهاية؟ والتي ترى (أن الغموض هو نفسه من الأسباب التي تستميل الشباب وتستحث فيهم روح المغامرة والاستكشاف)، مضيفة (شباب اليوم تأثروا بكم هائل من الرسوم المتحركة التي تحدثت عن حروب الفضاء والانتقال للحياة على كواكب أخرى، بالإضافة إلى أفلام الخيال العلمي مهدت الطريق لقبول هذه الأفكار عبر تناولها لرحلات الفضاء بصورة مشوقة ورسم شخصياتها بصورة الأبطال المنقذين للحياة، لذا تجد الشباب منساقين خلف فكرة البطولة وحماية الإنسانية بعد انهيار الكرة الأرضية، التي روج لها الكثير من العلماء).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية