الديوان

"حمّيد" في ذكرى رحيله الثالثة (تربال) فيلسوف.. يحلق إبداعياً فوق بساط الصوفية

المجهر _ آيات مبارك
.. الشفع الوسخانين.. البحر ونخيلات الجروف.. وست الدار.. عم عبد الرحيم.. عيوشة.. حجر الدغش.. لو كانوا يعلمون ما سيحدث لأوقفوا عجلات الزمن حتى تستدير مرة أخرى.. ونورا ما زالت تبحث عنه في طرقات القرية المتعرجة، لا بل في كل مدن العالم.. وحتى (عيوشة) تراه في أهداب أحلامها، لكنها تعي تماماً أن “حمّيد” لم يمت طالما هناك شمس كلمة وأحرف نور تركها تزيل عتمة الطريق لسنوات قادمة.. فهاهي أصوات القطار تنادي بملء فيها منذ ثلاثة أعوامٍ مضت بأن “حمّيد” لا زال يتنفس نفس الغبش.. ويعبر بمفرداتهم ليستوعبها الكل.
{ الصوفية واليسار
يا ولد جيب الرتاين
جيهوا الديوان فراشوا
وافرشوا الفرشة الكبيرة
و(الأباريق والتباريق)
وأضبحوا الحمل المدوعل
في تقديري أن عظمة شخصية “حمّيد” هي التي جعلت هذه التساؤلات مطروحة دون إجابات كافية، ولاحظ الجميع في مراسم التشييع تقاطع هتافات اليسار وأشعار “حمّيد” التي كانت تردد كـ(كولينغ) في أركان النقاش بالجامعات، وتعبِّر عن تيار اليسار والمعارضة على نحو أوسع، مع فئة أخرى تتلو (براق) المصطفى “صلى الله عليه وسلم”، فأتبعه الصوفية بكل عمقٍ، ولم يكن متنازعاً في دواخله بين تياريْن. هذا ما قاله الشاعر ” أزهري محمد علي” صنو روحه عندما حاول ترجمة شخصيته في أحد الحوارات، قال إن “حمّيد” لم يكن متنازعاً في دواخله بين تيارين فـ”حمّيد” لم يكن متصارعاً. وحينما سُئل “حمّيد” عن ذلك في أحد الحوارات، قال: (كوني مصنفاً بأني يساري أو أي اتجاه لا تعني لي شيئاً، ولكن دعني أسألك متى استقرت الأوضاع في السودان حتى يصنف هذا باليسار وذاك باليمين، فهذا التصنيف منقول من قاموس ليس لنا ومعظم السودانيين صوفية وهذا هو الوضع السائد والموجود، وأنا لم أدخل مسيداً لأنقز فيه، لكن المسيد جوّاي فأنا ختمي واسمي ختمي وعلاقتي بالختمية قديمة جداً ومنذ نشأتي والبلد هناك كلها ختمية وغير ذلك فإنّ أصدقائي من الصوفيين كثيرون، ودعني أقول لك إنّ أيِّ شاعر صوفي وإلاّ يبقى شاعر أشياء أخرى).
فتاح يا عليم رزاق يا كريم
صلى على عجل.. همهم همهمة
حصن للعباد.. وهوزز سبحتو

{ استنطاق الطبيعة
للخروج بالطبيعة عن ما هو مألوف ربط الشاعر “حمّيد” بين كل ما يصادفه من تفاصيل حتمية عبر التكثيف اللغوي برؤية مشحونة بالدفء والترابط الذي يشع من بين ثناياه العالم القروي البسيط ليحقق أهزوجة بدلالات رمزية وإيحائية لتمنح النص هوية غارقة في المحلية وممعنة في التفاصيل المميتة التي تخلق لوحة تشكيلية ذات أيقونة تثير الكثير من التأويلات، مثل دلالة الحزن في نغمات طيور الصباح:
شدلتو الحمار.. تحلب في الغنم لي شاي الصباح
والطير ما نضم.. ما رسل نغم
{ وفاته
ورغم تطور الحياة الباذخ وتعاليم الدين الحنيف (لا تعادوا الأيام فتعاديكم) لأجزمنا بمقولة (مارس شهر الكوارث).. ففي العشرين من هذا الشهر في العام 2012م توفي “حمّيد”.. راسماً ابتسامته العريضة محلقاً بها على الوجوه الكالحة حتى تأخذ من نوره وميض حياة مودعاً “نوري” و”نورا”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية