عيد استثنائي في حضرة "أم الخير آدم".. أم الكل بحي المقرن!!
تفاصيل حياة أم مكافحة في دروب الحياة
الخرطوم – آيات مبارك
في (عيد الأم) الذي يوافق اليوم الحادي والعشرين من شهر مارس اختارت (المجهر) أن تحتفل بطريقتها، وتعكس حياة أم مكافحة لتكون بمثابة الأم المثالية. وكنا على يقينٍ تام بأن البحث عنها لن يكلفنا أية مشقة تذكر، لأن المرأة السودانية جُبلت على الكفاح وحب العمل.. وأثناء طوافنا رفضت العديد من الأمهات تواضعاً بأن هناك من هن أولى، وهن لا يؤدين سوى واجبهن الأسري، فكان لقاؤنا بصاحبة مطعم في (ضاحية المقرن) غربي الخرطوم، واعتذرت لأن هناك من هي أولى بهذا المعروف، وأشارت إلى بنت صغيرة تغسل الأواني والصحون بالمطعم، وقالت: (أم البت دي بتبيع المقاشيش والدكوة.. زولة صبورة.. ظروفهم صعبة شديد) وأشارت إلى أن منزلها قريب من هنا.. فتبعت الفتاة الصغيرة وأخذت أدردش معها، فقالت لي إنها تدرس بالمرحلة الثانوية في (حي الصحافة) وتقضي أوقات فراغها بالعمل حتى تساعد أسرتها.
وصلنا إلى منزلها.. وعند دخولي تأكد حدسي بأن هذه الأسرة مجتهدة وهي تحاول أن (تصنع من الفسيخ شربات).. وجدت أمها “أم الخير” كما ينادونها هنا في الخرطوم.. و”حبيبة” في الأبيض.. لقد وضعت اسميها ورزقها نصب عينيها حتى تجد دنيا تسعها، كما تفاءل بها كل من يعرفونها.. لم أشأ أن أسألها عن سر “أم الخير” فابتسامتها الراضية كانت هي الإجابة الواضحة، وجعلتها تحكي ما مر بها عبر حياتها.. فقالت:
نحن شقيقتان.. توفي والدي وعمري ثلاث سنوات، وبعدها واصلت دراستي حتى الصف السادس، وتزوجت، وفور زواجي حضرنا من الأبيض إلى الخرطوم لأسكن في (منطقة مايو) في (راكوبة) واجهت فيها كل متاعب الحياة وعواصفها وظروفها المرّة.. مرت عليّ فصول السنة جميعها وأنا أعيش في ضنكٍ حاد، ولولا دعواتي التي أطلقها في ظلمات الليل البهيم والكل نيام لما استطعت أن أخرج من تلك الفترة العصية.. أنجبت ابني الأول في (تلك الراكوبة)، وحينها كان زوجي يعمل بالأعمال حرة في (سوق السجانة) وأتاني في يوم قائلاً: “لقد طلب مني شخص العمل كخفير بمنطقة المقرن”.. فرحت جداً بهذا الخبر وحملنا أغراضنا البسيطة مسرعين والتي كانت لا تتعدى أصابع اليد، وأتذكر (حتى زير الموية بتاعي كشحت مويتو ورفعتو في راسي).. أتينا إلى (المقرن)، وحينها كنت أسترزق من العمل بالمنازل وأصبح لديّ خمسة أطفال، إلى أن طلب مني صاحب المتجر المجاور أن أصنع له (الدكوة)، (الفول) و(الآيسكريم – الداندورمة).. وزوجي “بابكر” كان يعمل بأية مهنة تأتيه بالرزق الحلال ابتداءً من العتالة وانتهاءً بجمع القوارير الفارغة.. وحتى أمي الكبيرة يدها لا تقف عن العمل، فهي تصنع (البروش) و(الطباقة) و(السجاد).. وجنيه مني وجنيهان من زوجي يكتمل الرزق.
{ أولاد المدرسة
وحكت لي عن تفوق أبنائها ودرجاتهم الجيدة، وهي تتمنى من المولى عزّ وجلّ أن ينير طريق أبناءها بالعلم، وهاهم أبناؤها الكبار بالمرحلة الثانوية سمتهم التفوق والأدب الجم.. لكن ثمة إحساس حجب عنها ابتسامتها وفخرها، وأكملت حديثها ودموعها منسابة أن ابنها ذا العام الواحد مصاب في إحدى عينيه ويحتاج إلى عملية استبدال العين لأنها شوهت الوجه وهو لا يرى بها.. وقالت إن العملية مكلفة جداً تحتاج منا لجهد إضافي وما زلت أحمل همّه حتى نستطيع توفير مبلغ العملية، وقد قمت ببيع الثلاجة التي كنت أعتمد عليها في (عمل الآيسكريم)، ورغم ذلك لم تنجح كل المحاولات في علاجه.
{ ظل يؤويها
استرسلت “حبيبة” تحكي عن مجابهتها لظروف الحياة وهي في حالة بحث دائم عن ظلٍ يؤويها شر الغريب وبرد الشتاء وحرور الصيف فقالت: تم إخراجنا من كثير من المنازل.. وهذا المنزل الذي نحن فيه الآن هو منزل “التيجاني عامر” (هو زول مشهور ومعروف قالوا بكتب وشاعر)- استدركتها قائلة نعم “التيجاني عامر” هو برلماني ورياضي وشاعر وباحث- (المهم بيتهم ده معروض للبيع.. لكن ابنته ” إلهام”(إنسانة طيبة شديد وكمان سميت عليها بتي طلبت مني البقاء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. فنحن لا ندري أي أمر يمر بنا في هذه الدنيا).
{ بوابة الخروج
ونحن نهمّ بالخروج وعند الباب.. سألتني “أم الخير”: (أها ح تجيبونا في التلفزيون ولا الجريدة؟)، وعندما أجبتها في الجريدة فرحت وقالت: (أحسن لأنه نحن ما عندنا تلفزيون).. عندها نظرت لأطفالها الصغار بأسى لأنهم لم يشاهدوا (قطار الزهور) ولم يحفظوا أغاني (طيور الجنة).
{ عتبة أخيرة
“أم الخير”.. الأم القوية لك كل حبي الوافر وأنت تنثرين ضحكاتك في وجه الحياة القاسي وتودعين أبناءك على أبواب العلم، وفي قلبك يقين تام بأنهم تحت حماية الرب.. “أم الخير”.. آسفة، فقد كتبت عنك بيدٍ قصيرة مغلولة وحروف عاجزة عن إيفائك جزءاً ولو قليلاً من عطائك.. لكني على يقين تام بأن النجاح هو نصيرك طالما أنك سلكت طريقاً للدين والعمل.