مذيعون ومذيعات . . من عصر الكبار إلى زمن الرتابة !!
في جلسة سمر مسائية جمعتني مع ممثل السودان الأول الدكتور”الهادي الصديق” والزميل الصحفي “عبد الباقي خالد عبيد”، تداعت بنا الونسة إلى ذكرياتنا كمستمعين للإذاعة السودانية ومشاهدين للتلفزيون من نهاية سبعينيات القرن المنصرم، ونحن بعد تلاميذ بعتبات المرحلة الابتدائية مروراً بالثمانينيات وإلى زماننا هذا .
اتفقنا ثلاثتنا على أصوات إذاعية مميزة وجعلت أسألهما – وهما من (أولاد الحيشان التلاتة الإذاعة، التلفزيون والمسرح) – عن مذيعين ومذيعات مميزين ومميزات اختفوا عن الأنظار والآذان !
من المذيعات الراسخات صوتاً، ولم أسعد بمقابلتهن “نجاة كبيدة” و”إكرام الصادق”، ما زالتا في السودان، ولكن للأسف خارج المشهد الإعلامي!! من تجيد تقديم نشرات أخبار الإذاعة الآن بقدرات “نجاة ” و”إكرام” ؟! لا يوجد … ولا في كل الإذاعات الحكومية والخاصة .
الراحلة “رجاء حسن حامد” تعرفت عليها في آخر سني عمرها، بعد أن فتك بها داء (السكر) اللعين وقد ألم بها باكراً في المرحلة الثانوية، رحمها الله رحمة واسعة بقدر ما وسعت رحمته. كان صوت “رجاء” الساحر المهيب ينساب مع نسايم الصباح في برنامج (صباح الخير يا وطن)، فيبعث في نفوسنا أملاً جديداً وتفاؤلاً بيوم ربما يكون أفضل . . كانت مذيعة استثنائية لم تجد الإذاعة بمثلها في تلك البرامج سوى كوكب السودان الباهر “ليلى المغربي” وما أدراك ما “ليلى المغربي” . . فن المايك وروعة البيان وطلاوة الكلام !! تقبلها الله في رضوانه . ومن بعدهما ما زالت “إسراء زين العابدين” تمثل بقايا الزمن الوضيء، تحاول أن تجمل استديوهات أصابها الجمود والملل والأصوات الرتيبة المحفزة على النعاس!!
وأصوات الأساتذة كبار مذيعي العهد الذهبي ما بين الإذاعة والتلفزيون، تختلف باختلاف طرائقهم في التقديم والإطلالة من “محمد طاهر” صاحب الشعر الأبيض والهدوء الرزين الذي ظل إلى وقت قريب يرفد تلفزيون ولاية الخرطوم بخبراته النادرة، وإلى “أحمد سليمان ضو البيت” بحنجرته القوية وصوته الراعد ألقاً وسطوته التي لا تنسى على منصة نشرة الأخبار الرئيسية في تلفزيون السودان .
الراحل الرقيق “محمد الفاتح الصباغ” يختلف عن أبناء جيله من مذيعي الأخبار بالسرعة الفائقة في الأداء دون أخطاء وهو النموذج الذي سارت عليه من بعد ذلك فضائيات هذا العصر، لكن تمهل “ضو البيت” والمخضرم الأنيق المبدع المستمر “عمر الجزلي” يجعل المشاهد أو المستمع يشعر بأن قارئ النشرة يستمتع بالقراءة كما يستمتع هو بالاستماع !!
المرحومة “سهام المغربي” كانت تمثل أيضاً لوناً وطلة مختلفة في نشرات التلفزيون، بحضور طاغ ورصانة شاخصة على حبال صوتية خاصة !!
كل مذيع كان يختلف في عباراته وأسلوبه من الآخر . . لا تشابه مطلقاً بين الرائع الأديب والبروفيسور – لاحقاً – “عوض إبراهيم عوض” وأستاذ المنوعات الرائد “عمر عثمان” أو البروفيسور “أبو بكر عوض”الممتلك لناصية نشرات الأخبار .
أما في زماننا هذا . . حيث تكاثرت الفضائيات والإذاعات العامة والمتخصصة، فلا تميز يلفت الانتباه إلا قليلاً .
غالب الأصوات والعبارات وحتى الملابس متشابهة . . لا (بصمة صوت) وثقافة ذاتية جاذبة تحدثك عن فرق واضح بين هذا وذاك وتلك . . كله (عك) وتكرار لجمل وكلمات للربط والفواصل صارت ممجوجة من كثرة استهلاكها .
من هي ” ليلى المغربي” الآن في قناة (النيل الأزرق)؟ ! ومن هي “رجاء” إذاعة “المساء” . . ومن هو “صباغ ” نشرات التلفزيون القومي حالياً، ومن هو “ضو البيت” الصغير في أخبار “الشروق” ؟!
لا أحد .
{جمعة مباركة .