الديوان

الطيور.. في الأغنية السودانية.. مصدر إلهام للشعراء

بين القماري والعصافير والبلوم والخداري
كتب/ الصادق الطيب مختار
ارتبطت المفردة الشعرية في الأغنية السودانية بالعديد من مظاهر الطبيعة ومكوناتها. وكان للطبيعة أثر كبير في صياغة وجدان الشعراء والملهمين الذين بثوا كثيراً من همومهم ولواعجهم للطبيعة والخضرة والطيور والمياه وغيرها. ولعل الطيور بأنواعها أخذت حيزاً كبيراً ومثلت في عدد من الأعمال الشعرية الغنائية (بطل الرواية) في القصيدة الغنائية، ولم تكد تخلو قصيدة غنائية من مناجاة طائر أو تحميله الأشواق أو إرساله بالشوق المستعر من مكان وجود الشاعر إلى ديار الأحبة ومهد الصبا ومسقط الرأس. ويتجلى ذلك في عدد من الأغاني التي كانت الطيور محورها الرئيس؛ إما لارتباط الشعر بالبيئة أو لكون الطائر مهيض الجناح مخلوقاً أميناً أو لعمق ارتباطه ببعضه بعضاً فاتخذه الشعراء مثالاً للوفاء وجعلوا منه ناقلاً أميناً لعواطفهم وما يجيش بخواطرهم من مكنونات الشوق والشجن، فاندلق الحنين عبر مفرداتهم مترعاً ومستعراً ينسكب ألقاً ويهتاج شوقاً.
 فمثلاً.. (كل طائر مرتحل عبر البحر حملتو أشواقي الدفيقة) وهي كلمات كتبها الأستاذ “حسين بازرعة”، وشدا بها العملاق “عثمان حسين” ويصور فيها الشاعر أشواقه التي حمّلها للطائر العابر للأمواج إلى ديار محبوبته.
(يا طير يا ماشي لي أهلنا بسراع وصل رسايلنا).. للفنان “صالح الضي” وهو يناجي هذا الطائر ليوصل رسائله للأهل تعبيراً عن شوقه لهم.
(البلوم في فرعو غنى طرانا يا الحبان أهلنا).. رائعة الفنان “أحمد الجابري”، وهيج فيها طائر (البلوم) ذكرى الشاعر وذكره بأهله وأحبته عندما صدح وناح من على غصنه. 
(بالله يا طير قبل ما تشرب تمر على بيت صغير).. وهنا يبث الشاعر الدبلوماسي “صلاح أحمد إبراهيم” عبر أغنية (الطير المهاجر) للعملاق “وردي” أشواقه عبر هذا الطائر العابر من مكان الشاعر إلى ديار الأحبة والأهل والمحبوبة في بيتها الصغير وهي تحيك منديلاً مطرزاً بالحرير لحبيب بعيد، طالباً منه زيادة سرعته لبلوغ مقصده مروراً بالنيل اللامع كسيف مجوهر بالنجوم من غير نظام، وهو تصوير بديع.
(قول لي يا طير الخداري قول لي وحياة حبنا).. لـ”علي إبراهيم اللحو”، وفيها يتجلى الطلب من طير الخداري مشاركته الهمّ، ويدور بينهما حوار شيق.
(جيت أوادعك يا القماري لما أرحل أبقي عشرة على صغاري).. للمبدع “مجذوب أونسة” وفي هذا النص يرجو من طائر القمري أن يرعى صغاره بعد رحيله لما للقمري من وفاء واهتمام ومحنة ورقة.
(أصلو يا عصفور دا حالك من يوم ما سويتلك جناح).. شدا بها الرائع “النور الجيلاني” وجسدت أجنحة العصفور مصدر حريته فأصبح يهاجر ويترك الشاعر ثم يعود، وكان يلتمس بقاءه حيث يوجد.
(والله يا طير الرهَوْ ما كت مصدق إني بلقاك يا رهَوْ.. أشكو ليك من جور زماني وكيف رماني.. وشوف وراك الزمن كيفن بيسَوْ).. وهي للفنان القامة “حمد الريح”، وهنا تبدو الشكوى من جور الزمان ومصاعب الدهر المتجنية على الشاعر الذي لم يجد سوى طير الرهو ليبثه شكواه وما فعلته به الأيام عندما غاب عنه وتوارى، فلعل الطائر حفيظ على الأسرار ومواسٍ للشاعر الذي جرحته أظفار الهموم وأدمت وجدانه.
(ابني عشك يا قماري قشة قشة.. وعلمينا كيف على الحب دارنا يُنشا).. رائعة الشاعر الراحل “عبد المنعم عبد الحي” وغناها “سيد خليفة”، وفيها طلب مباشر للقماري بالمساعدة في تعلّم كيفية بناء بيت يقوم أساسه على المحبة والحب الصادق، كأنها هي المعلم الملهم للحب.
(والله يا قمـرية قـوقايك الضهرية خلاني بين البين).. للشاعر “خالد شقوري” حيث هيج (قوقاي) وهديل القمرية في هذا الوقت أشجانه التي وصف فيها حاله (بين البين) وفعل فيه صوتها ما فعل وأعاده إلى النخيل والنهر والخضرة وذكره بأحبته.
(والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في إيدا جواز سفر).. للمبدع “مصطفى سيد أحمد” الذي مُنح مساحة الحرية عبر هذه الطيور التي تنطلق في الفضاء بلا قيود تكبلها ولا حدود.
{ (مسدار القمرية)
وللشاعر الفنان “أحمد الفرجوني” مسدار سمّاه (القمرية)، وهو عبارة عن قصة يعبر فيها عن شوقه للمحبوبة التي كانت بعيدة عنه، ويتابع رحلة الطائر في شوق.
(والله يا سرب الحمام لمن تروح ساقية قمر سلم لي بالشوق الكتير حتى التراب حتى القميريات تقوقن في التمُر.. والله يا سرب الحمام طعم الفُراق في حلقي مُر).. وهي من أغاني الطنبور للفنان الراحل “عثمان اليمني”، يرسل عبرها تحياته إلى الأهل والنخيل وتراب أرضه.
(مداعب الغصن الرطيب.. في الروض غنى العندليب.. ورددوا غناه الطيور ترتيل أناشيد الحبور).. وهي من روائع غناء الحقيبة، التي حفلت بالوصف المشوق والحوار مع الطيور في صورة جميلة مترعة بالإبداع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية