أخبار

العنف وأسبابه

تسرب العنف من الساحة السياسية ومناشط الطلاب في الجامعات ومن مناطق النزاعات المسلحة في دارفور وكردفان إلى الوسط الرياضي الذي كان شعاره الذي تتغنى به إذاعة “يوسف السماني” (نحن في الوسط الرياضي لا بنخاصم ولا بنساوم).. والوسط الرياضي لا ينبت في تربة غير الأرض التي غطاها العنف والعنف المضاد.. من عنف لفظي في خطابات السياسيين إلى عنف مادي يقتل فيه الإنسان أخيه الإنسان بأبشع الطرق وأكثرها دموية.. ويباهي السياسيون بالدماء التي تسيل من شعبهم في غبطة وسرور، إذا تحدث قادة المعارضة في المنابر توعدوا الحكام بالويل والثبور والسحق والإقصاء من الوجود، ويمد المعارضون في الداخل الأيادي لبنادق المليشيات الملوثة بالدماء من أجل القضاء على الحاكمين.. ولا يتورع الحكام في الوعيد والتهديد بالقضاء على مخالفيهم في الرأي.. الحكومة تتحزم والمعارضة تتلزم والشعب ضحية لعنف تمدد من أقاصي البلاد إلى أدناها.. الجامعات التي يفترض أن تشع منها الحضارة والسلوك القويم باتت تحتضن الأسلحة البيضاء.. وصنع طلاب الكيمياء قنابل حارقة للقضاء على زملاء لهم في ذات الجامعة.. سواطير.. وسكاكين وخناجر ومسدسات تسكن داخليات الطلاب والطالبات حتى النواعم تسلل إليهن داء العنف.. في الأطراف بات أهمية الحدث تقاس بعدد الضحايا.. وأولوية الأخبار في (دسك) الصحف بعدد الذين لقوا مصرعهم في النزاع.. في هذا المناخ السياسي شديد العتمة والظلامية غشيت الوسط الرياضي أمراض غيره.. عطست الساحة السياسية فسالت دماء الحركة الرياضية.. منذ سنوات والعنف في الوسط الرياضي يتمدد وتلاشت قيم التسامح واندثرت تقاليد راسخة لمجتمعاتنا منذ مئات السنين.
أمس الأول في وسط أم درمان حيث القلعة الحمراء كما تدعي وإستاد المريخ كما يسمى كانت لحظة سقوط المريخ للخلق الرياضي.. وجماهير المريخ تتقافز من المدرجات إلى الملعب.. والفريقان المتنافسان أحدهما مريخ أم درمان والثاني مريخ دارفور.. وحكمة الله أن الحي يخرج من الميت.. وسنن التاريخ أن الضعيف يصرع القوي.. وترى الرجل النحيف (فتزدريه).. وهكذا يقول الإرث والتراث والدين وفي التاريخ الإسلامي لا يفعل إلا غافل ما حدث يوم حنين حينما أعجبت المسلمين كثرتهم وظنوا أنهم منتصرون فحاقت بهم الخيبة والهزيمة.
والمريخ الأم درماني يملك ثروة طائلة ويغدق عليه واحد من أثرياء العرب وأفريقيا.. يشتري لاعباً واحداً بمبلغ (5) ملايين دولار وينفق على النادي إنفاق من لا يفقر أصلاً دع عنك الخوف من الفقر.. وفريق مريخ الفاشر مسكين مغلوب على أمره ينتظر دعم الوالي “عثمان كبر”.. ووزير المالية وبعض المحسنين في منطقة قل فيها الإحسان وشحب المال.. وضعف الإنسان.. ورغم كل ذلك يتقدم مريخ الفاشر على مريخ السودان.. وهنا تقدر جماهير المريخ أن الهزيمة في الميدان عار لا يليق بالمريخاب كأنهم يقاتلون في كاودة أو حجر السلطان.. هرول المشجعون لأرض الملعب.. وتصدت الشرطة للمشاغبين بما يمليه عليها الضمير.. والمسؤولية وقسم الولاء.. وضمير الشرطة يحدثها بأن الفوضى تستوجب الردع ولكن سلطان المريخ أقوى.. ونفوذ الوالي (جمال) لا الوالي (الخضر) هو من جعل الشرطة تنسحب من ميدان واجبها. كشرط لإكمال المباراة.
لتنتهي المباراة بهزيمة المريخ وهزيمة القانون وهزيمة الأخلاق.. وهزيمة الوسط الرياضي.. الذي بعد ليلة (الجمعة) بات مسكوناً بالرعب والخوف والشرطة التي تحمي الأرواح يفرض عليها التخلي عن مهمتها والعنف يتمدد والفوضى تسكن الجسد الرياضي العليل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية