توزيع الصحف.. الحقائق مجردة
} تحدث الأخ ” عبد الله دفع الله” أحد ناشري الصحف لقناة (الشروق) عبر برنامج (المحطة الوسطى) مساء (الجمعة) الفائتة، فأورد جملة من المعلومات الخاطئة والمضطربة. وبصراحة كان معظم الكلام (كلام الطير في الباقير). ومن هنا أدعو الإخوة والأخوات منتجي البرامج التلفزيونية بالقنوات السودانية كافة إلى التروي والتدبر في اختيار الضيوف، فليس كل وزير – مثلاً – محدثاً جيداً، وليس كل صحفي متكلماً بارعاً، ولا كل طبيب (شاطر) قادر على التعبير وتوصيل المعلومة للمرضى عبر أجهزة الإعلام.
{ قال ضيف البرنامج متحدثاً عن أوضاع الصحف إن هناك صحفاً (كبيرة) – والوصف له – تطبع يومياً (ثلاثة آلاف نسخة فقط) ومرتباتها (ثلاثمائة مليون جنيه)!! أنا لا أعلم عن أي صحيفة يتحدث، ولكنني أعلم علم اليقين، أنه ليست هناك صحيفة (كبيرة) في السودان تطبع ثلاثة آلاف نسخة في اليوم !!
} كيف تكون كبيرة إذن؟!!
} الصحف (الكبيرة) حسب تقرير المجلس القومي للصحافة والمطبوعات معلومة، وقد كانت (المجهر) مثلاً في المركز (الثاني)، وأنا أؤكد ــ حسب معلوماتي وإلمامي الدقيق بتفاصيل حركة السوق (يومياً) حتى وأنا خارج السودان ــ أن صحيفتنا ما زالت تحافظ على موقعها. وفي رأيي أن أي (ناشر) متابع يعرف تماماً أين موقع صحيفته في السوق، ويأتي تقرير المجلس للتأكيد والتعضيد، ولا ينبغي أن تكون هناك مفاجآت في تقاريره السنوية على الأقل بالنسبة للناشرين. يمكن أن يتخيل البعض من المحررين أو العاملين في الصحف أو المتعاملين معها صوراً مغايرة للحقيقة بدرجة ما، لكنهم في الغالب الأعم لا يبتعدون كثيراً عن منطقة الأرقام الحقيقية.
وأقول للأخ الناشر “عبد الله” – وأظنه يعلم – إن القاعدة الذهبية في موضوع الطباعة والتوزيع، منذ أن عرف الناس الجرايد، تقول إن كمية المطبوع ذات صلة بنسبة التوزيع. فعندما يبلغ المطبوع (ثلاثين ألف نسخة) مثلاً ، لا يمكن – بالقياس إلى أسعار وتكلفة الطباعة المرتفعة جداً خلال السنوات الأخيرة – أن يكون التوزيع (عشرة آلاف نسخة) أي بنسبة (الثلث) من المطبوع وإلا ستتعرض الصحيفة لخسائر فادحة وسيدخل الناشر أو المدير العام عنابر الشيكات المرتدة في (سجن الهدى) بغرب أم درمان خلال أشهر معدودة، أو تغلق الشركة الناشرة أبوابها وتعلن إفلاسها وتصفيتها .
} متوسط نسبة التوزيع (الموضوعية) للصحف يتراوح من (55%) إلى (75%) وقد تأثرت جميع الصحف بالضائقة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية لاستيراد مدخلات الطباعة. والتدني المريع في معدلات التوزيع من أسبابه الرئيسة (انكماش) الحالة السياسية وتراجع مستوى الحريات في البلاد، فما كنت أكتبه أنا في العام (1997) ليس مناسباً أن أنشره الآن في العام (2015)!! ولابد من سد الفراغ.. والبديل الذي تمدد على الفراغات بمقالاته وكاريكاتيراته الساخرة.. ونكاته.. وشائعاته المدمرة وصوره الفاضحة، وإيجابياته القليلة هو (الواتس آب) والوسائط الاجتماعية الأخرى على حساب الصحف التي صارت طباعة كبراها لا تتجاوز حالياً (30) ألف نسخة، رغم أن صحف دول “الخليج” و”لبنان” وغالب صحف “مصر” باستثناء (الأهرام) لا تتجاوز أيضاً هذا الرقم في الغالب، مع فارق الإمكانيات المالية المهولة والميزانيات الضخمة التي تحسب هناك بملايين الدولارات!!
} مما تقدم، ليس هناك صحيفة (كبيرة) في السودان تطبع (ثلاثة آلاف) يا عزيزي “عبد الله”، فالصحف (الصغيرة) هي التي تطبع من (خمسة آلاف) وإلى (ألفي نسخة) وهذه لا جدوى اقتصادية من استمرارها في كل الأحوال.
} علينا جميعاً أن نتحرى المصداقية والأمانة في إيراد المعلومات للرأي العام ، لأنها ستكون متاحة ولو بعد حين في بلد.. بل عالم بلا أسرار.